أدهم خنجر وثورة سلطان باشا الأولى (1922 م.)

أدهم خنجر وثورة سلطان باشا الأولى (1922 م.)

أدهم بن خنجر الصّعبيّ (1895-1923 م.) أو أدهم بِك خنجر؛ من مواليد بلدة المروانيّة في قضاء صيدا، ينحدر من سلالة عائلة “صعب” الإقطاعيّة اللّبنانيّة الّتي حكم أبناؤها الأمراء منطقة “الشّقيف”، جنوبَ لبنان. كان ثائرًا ومقاومًا قائدًا في صفّ مقاومي الاحتلال الفرنسيّ لبلاد الشّام.

اجتمع أدهم خنجر والموحّدون الدّروز على مقاومة الاستعمار الفرنسيّ طلبًا للحرّيّة والاستقلال. وكان اعتقاله على يد السّلطات الفرنسيّة، بينما هو ضيف لاجئ في حِمى سلطان باشا الأطرش، شرارةً أشعلت قلوب الموحّدين ونيران الثّورة لِما في هذا الاعتداء من خَرْق للعُرف الاجتماعيّ القبليّ القائل بحماية الدّخيل وصون الضّيف، ومساس بالتّقاليد والعروبة والشّرف؛ ففي عشرينيّات القرن الماضي، وفي خِضَمّ الأوضاع المتوتّرة الّتي سادت بلاد الشّام، انفجرت الثّورة وانطلقت المقاوَمة عام 1920 م. في جبل عامِل، جنوبَ لبنان، ضدّ المحتلّ الأجنبيّ، فوقعت المواجهات واندلعت الحروبات بين الثّوّار، بقيادة صادق حمزة الفاعور وأدهم خنجر،[1] من جهة، والفرنسيّين وأتباعهم المحلّيّين من جهة ثانية.

بُعيد معركة ميسلّون في آب 1920، ومع سقوط الحكومة العربيّة في دمشق، انتكست المقاومة، وبرزت قوى إقطاعيّة معارِضة للدّولة العربيّة وقفت ضدّ الجماعات المقاوِمة، وأخذت تهدّد عامّة النّاس باتّهامهم بالتّعاون مع المقاوَمة ضدّ السُّلطات. تلك كانت ضربة قويّة للمقاومين الّذين انكفأ نشاطهم، وعلى رأسهم أدهم خنجر الّذي لجأ، آنذاك، إلى صديقه الشّيخ أحمد مْريوِد، في حوران، وقرّر الاثنان تصفية الجنرال هنري غورو، المندوب السّامي، في حينه، في أثناء رحلته التّفقّديّة إلى جبل عامِل. عن نشاطهما هذا الّذي سعيا إلى تنفيذه في 22 حزيران 1921 يحدّثنا رضا التّامر في مذكّراته[2]، على لسان رجُل شركسيّ يُدعى “بكير” رافَق أدهم خنجر في زيارته إلى شرق الأردنّ. يقول بكير:

“ذهبنا إلى القنيطرة، وهنا التقى أدهم وأحمد مْريوِد، فاختليا قليلًا، وقرّرا أن يرابطا على الطّريق العامّ بين دمشق والقنيطرة، حتّى يمرّ الجنرال غورو، إذ عرف أنّه آتٍ إلى القنيطرة لتفقُّد شؤون المنطقة. وقد نفّذا قرارهما بالفعل”.

ويصف بكير هذا الكمين الّذي نُصب لاغتيال الجنرال غورو عند منطقة “كوم الويسيه” قرب القنيطرة،[3] فيقول:

“كمن أحمد مْريوِد على جانب من الطّريق، وكمن أدهم على الجانب الآخر، في نقطة تبعد عشرة كيلومترات عن القنيطرة، ووقف أحد رجالهما في منتصف الطّريق وبيده ورقة بيضاء يتقدّم بها إلى الجنرال غورو حين تصل سيّارته إليه، فيطلب أن تقف سيّارة القائد الفرنسيّ قليلًا متظاهرًا أنّ لديه ظلّامة يريد أن يقدّمها إلى القائد، وكان من اعتداد مْريوِد وأدهم بحذقهما في إصابة الهدف أنّهما لم يضَعا في منتصف الطّريق شيئًا من الحجارة تعترض سيّارة الجنرال فتضطرّ إلى الوقوف، فيطلقان رصاصهما عليه دون أن يخطئا هدفهما فتتمّ المؤامرة”.

يقال إنّ يقظة الجنرال غورو كانت أشدّ من دقّة التّخطيط؛ إذ سرعان ما أدرك الحيلة فأمر سائق مصفَّحَة “المارمون” الّتي كان يركبها بمتابعة المسير على عَجَل، ثمّ ألقى بجسمه منبطحًا في قلب المركبة. فكّر خنجر ومْريوِد بقتل السّائق وأسْر الجنرال غورو والمساومة به من أجل إعفاء المحكومين القابعين في سجون الاحتلال، إلّا أنّهما لم يتمكّنا من إصابة السّائق ولا الجنرال، لكنّهما أصابا مرافقه الخاصّ وحقّي العظم رئيس الحكومة السّوريّة، آنذاك، وقد كان يرافق الجنرال في رحلته.[4]

افترق خنجر ومْريوِد بعد هذه الحادثة،[5] وبات الأوّل مطلوبًا لدى سُلطات الاحتلال الّتي أطلقت حملة واسعة للقبض على منفّذي الاعتداء، ودخلت القرى الآمنة الواقعة قرب موقع الاعتداء على الجنرال، ونكّلت بأهلها وأضرّت بأرزاقها،[6] وكانت قد أعلنت منحَ جائزة مقدارها 4 آلاف ليرة لمن يأتيهم بأدهم أو برأسه. وفي شهر تمّوز 1922 لجأ أدهم خنجر إلى السّويداء مستجيرًا وقاصدًا دارة سلطان باشا الأطرش في الِقْرَيّا. وسرعان ما عرف الفرنسيّون مكانَه، فما كان منهم إلّا أن داهموا ديار الباشا واعتقلوا ضيفه،[7] في 7 تمّوز من العام نفسه، خلال غياب الباشا، وساقوا الأسير إلى قلعة السّويداء، وكان يصيح: “أنا في ضيافة وجيرة سلطان باشا الأطرش. كنت في طريقي إلى داره لألتجئ إليه وأحتمي به”.[8] ولمّا رجع الباشا وعلم بما حصل ثارت نخوته، وكانت هذه شرارة انطلاقة الثّورة السّوريّة الغاضبة من جبل العرب. ثمّ بعث رسالةً إلى الحامية الفرنسيّة في السّويداء، هذا فحواها: “مع أنّ هذا الرّجُل لم تطأ قدماه أرض داري لكنّه كان قاصدًا ضيافتي. لذلك أناشدكم إكرامًا لعادات الضّيافة عندنا أن تطلقوا سراحه بكفالتي حتّى يتمّ البتّ في أمره”. لكنّه لم يتلقّ أيّ ردّ من الفرنسيّين.

حينها خرج سلطان الأطرش ورجاله لإطلاق سراح خنجر، فطوّقوا السّويداء وهاجموا الخيّالة الفرنسيّين بالسّلاح، فكانت معركة “تلّ الحديد” لتحرير أدهم خنجر الّتي قُتل فيها ثلاثة جنود فرنسيّون وضابط يُدعى بوكسان وأُسر أربعة جنود أيضًا، إضافةً إلى تدمير مصفّحتين فرنسيّتين من أصل ثلاث كانت قد جاءت لنقل السّجين إلى دمشق.[9] بعد هذه الواقعة تعهّد وفد المجلس النّيابيّ “بشرف فرنسا” بتسليم أدهم خنجر إلى سلطان الأطرش شرط أن يفكّ الثّوّار الحصار عن السّويداء ويسلّموا الأسرى الأربعة، لكنّها كانت خدعة أُخرى من الفرنسيّين الّذين تسلّموا الأسرى وقصفوا دار الباشا بعد أن فشلوا في إلقاء القبض عليه.[10]

ومن سجنه في السّويداء خطّ أدهم خنجر كتابًا رفعه إلى الباشا سلطان، هذا نصّه:

“سيدي صاحب العطوفة سلطان باشا الأفخم:

بعد إهداء السلام، أقبّل الأيادي مع الأقدام، ثم أعرض لعطوفتكم أنني كنت قاصدًا دياركم العامرة لأجل أن أحتمي فيها من نوائب هذا الزمان. فعندما وصلت ألقى القبض عليَّ المدير والعسكر، وأخذوا مني حصاني وأمتعتي كلها، وبعدها سألوني عن اسمي فجاوبتهم بالواقع. وبعد أخذ إفادتي، ذهبوا بي إلى “الكفر”، وبعد مضي خمس ساعات في البلد، ذهبوا بي إلى السويداء، والآن قيد السجن… فالأن أصبحت حياتي في يد الحكومة الفرنسية، ولا يمكن تخليصها إلا بمساعدتكم.

وعلى كل حال لكم في العادة أن تحموا وتخلصوا كل منذاق، وأنا لولا ما كنت أمين على حياتي بوجود عطوفتكم، ما كنت أتيت جهرًا.

والآن دخلت دياركم العامرة مستجيرًا، وأدخل في حريمكم وفي أولادكم حتى في كل الطرشان.

18 تموز 1922م.

الداعي

أدهم خنجر الصعيبي”[11]

حاشية: “سيّدي لا يمكن أن يمضي عليّ أكثر من اليوم في السويداء ومن بعد، مرادهم أن يسفروني إلى الشام، فأرجوكم تداركوا، أو تداركوا هذه المسألة اليوم، حيث لا معين لي غير عطوفتكم ودمتم سيدي”.

طوّق رجال سلطان القلعة، لكنّ الفرنسيّين نقلوا أدهم إلى دمشق خلسة، ومن هناك أخذوه إلى بيروت، حيث عُرض على محكمة عسكريّة “صوريّة” قضَت بإعدامه. وفي صباح الثّلاثين من أيّار عام 1923 أُعدم أدهم خنجر رميًا بالرّصاص، ودُفن في مقبرة الباشورة.

كان اعتقال أدهم خنجر بهذه الصّورة مطعنًا في حقوق الإجارة، سيّما أنّه أتى دار سلطان باشا ضيفًا مُشهَّدًا لاجئًا يطلب الحماية، ناهيك عن موقعه الوطنيّ في الصّدام بين الثّوّار وقوّات الاستعمار الفرنسيّ. ثمّ إنّ الفرنسيّين، بفعلتهم هذه، نقضوا البند الثّاني من النّظام الأساسيّ لحكومة جبل الدّروز الّذي ينصّ على وجوب انطباق إدارة الجبل على العادات والتّقاليد المحليّة، وبطبيعة الحال منها تقليد الإجارة وهو شبه مقدّس عند العرب عامّةً، والدّروز خاصّةً.

ثمّ إنّ المداولات والاتّصالات المتوالية الّتي جرت في سبيل تحرير أدهم خنجر والّتي باءت بالفشل عمّقت الانقسامات بين قيادات الجبل، وحتّى بين فريق سلطان باشا، من جهة، والهيئة الدّينيّة في جبل الدّروز، من جهة ثانية؛ إذ رأت الهيئة الدّينيّة في سلطان وجماعته أصحاب المقاصد والمفاسد والمزاعم المخطئة، ووصفتهم حكومة سليم الأطرش بالمجرمين والعصاة والأشقياء.[12]

ومع تطوّر الأمور سريعًا إلى الصّدام العسكريّ المذكور في تلّ الحديد، جاءت تغريبة سلطان باشا ومن معه إلى شرق الأردنّ، استمرّت تسعة أشهر صدر خلالها حُكم الإعدام عليه في 16 تشرين أوّل 1922 م.

_______________________________________________

[1] هندي، كفاح الشّعب، 1962، ص. 104.

[2] التّامر، رضا. مذكّرات رضا التّامر. د. م.: دار النّهار للنّشر، 1997.

[3] الدّبيسي ومزهر، المذكّرات الكاملة، 1998، ص. 54.

[4] المصدر السّابق.

[5] رأي آخر يقول إنّ هذه لم تكن مؤامرة من تدبير خنجر ومْريوِد، بل إنّ الفرنسيّين اشتبهوا بخنجر واتّهموه بتنفيذ الاعتداء، أمّا مطلقو الرّصاص فلعلّهم كانوا من قطّاع الطّرق أو من الوطنيّين الأحرار (اُنظر: مقابلة العالم الرّحّالة W.B. Seabrook مع سلطان باشا الأطرش وإخوته، في كتابه Adventures in Arabia، تحت الفصل “في قلعة سلطان باشا الأطرش”، ص. 182).

[6] هندي، كفاح الشّعب، 1962، ص. 105.

[7] يُقال إنّ أدهم خنجر لم يطأ بيت الباشا لكنّه قُبض عليه وهو في طريقه إليه وكان قد دخل قلعة الطّرشان (اُنظر: W.B. Seabrook, Adventures in Arabia, p.182).

[8] W.B. Seabrook, Adventures in Arabia, p.182.

[9] الأطرش، المذكّرات الحقيقيّة، 2021، ص. 66.

[10] المصدر السّابق.

[11] البعيني، سلطان باشا الأطرش، 1985، ص. 97؛ الدّبيسي ومزهر، المذكّرات الكاملة، 1998، ص. 54.

[12] البعيني، سلطان باشا الأطرش، 1985، ص. 107-108.

* * *

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. أبي راشد، حنّا. جبل الدّروز. مصر: المطبعة التّجاريّة الكبرى، 1925.
  2. البستانيّ، إدوار. الكتاب الذّهبيّ لجيوش الشّرق 1918-1936.
  3. البعينيّ، حسن أمين. سلطان باشا الأطرش. مؤسّسة التّراث الدّرزيّ، 1985.
  4. التّامر، رضا. مذكّرات رضا التّامر. د. م.: د. ن.، 1954.
  5. الجرمانيّ، فوزي. خيمة وطن.
  6. الدّبيسي، يوسف سليم؛ مزهر، صلاح قاسم. المذكّرات الكاملة للزّعيم سلطان باشا الأطرش: القائد العامّ للثّورة السّوريّة الكبرى، 1925-1927. د. م: د. ن، 1998.
  7. أبو زكي، فؤاد. المعنيّون؛ من الأمير فخر الدّين الثّاني المعنيّ التّنّوخيّ إلى الأمير سلطان باشا الأطرش المعنيّ التّنّوخيّ. الشّوف: الدّار التّقدّميّة، 2008، ص. 353-355.
  8. السّفرجلّانيّ، محي الدّين. تاريخ الثّورة السّوريّة. د. م.: دار اليقظة العربيّة، 1961.
  9. كوثراني، وجيه. بلاد الشّام في مطلع القرن العشرين: السّكّان والاقتصاد وفلسطين والمشروع الصّهيونيّ؛ قراءة في وثائق الدّبلوماسيّة الفرنسيّة. د. م.: المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات، 2013.
  10. أبو مصلح، حافظ. ثوّار على الانتداب؛ فؤاد علامة. أدهم خنجر. الشّيخ علي زين. بيروت: المركز العربيّ للأبحاث والتّوثيق، 2009.
  11. الملحم، إسماعيل؛ القنطار، هايل؛ سراي الدّين/ وهيب؛ نعيم، رياض. سويداء سورية؛ موسوعة شاملة عن جبل العرب. إشراف: د. ماجد علاء الدّين. دمشق: دار علاء الدّين، 1995، ص. 160.
  12. هندي، إحسان. كفاح الشّعب العربيّ السّوريّ 1908-1948؛ دراسة تاريخيّة عسكريّة. دمشق: إدارة الشّؤون العامّة والتّوجيه المعنويّ، 1962.
  13. Seabrook, William B.. Adventures in Arabia: among the Bedouins, Druses, whirling dervishes and Yezidee devil-worshipers. New York: Hardcover, Brace and Company, 1927.
  14. موقع سلطان باشا الأطرش الإلكترونيّ: https://www.sultanalattrache.org/battles.php

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה