مجلّة نهج الميثاق؛ إصدار مركز التّراث الدّرزيّ في إسرائيل
العدد الثّاني| نيسان 2020
كاتبة المقالة: السّيّدة إخلاص بدريّة عزّام
تعريف الأسرة:
الأسرة في اللغة هي الدرع الحصين، وتطلق على الجماعات التي يربطها أمر مشترك، وجمعها أُسر، والأسرة في علم الاجتماع هي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يرتبطون معا بروابط الدم والزواج ويتفاعلون معا، وعرّفها بعض علماء الاجتماع بأنها الخلية الأولى في المجتمع، وتتكون من مجموعة أفراد تربطهم قرابة معينة وعواطف مشتركة، ويعيشون في منزل مشترك ويقوم كل منهم بدوره الاجتماعي في الأسرة، والأسرة أيضا تعتبر النقطة الأولى التي يبدأ منها التطور، والوسط الطبيعي الذي يترعرع فيه الفرد.
أهمية الأسرة في المجتمع بشكل عام والمجتمع الدرزي بشكل خاص:
اولاً، تتجلّى أهمية الأسرة ومكانتها العظيمة في المجتمع من خلال الأمور الآتية: تلبّي الأسرة الاحتياجات الفطريّة، والتي تتمثل بإشباع الرغبات الفطريّة، وإشباع الحاجات الجسميّة، والحاجات النفسيّة، والعاطفيّة، والرّوحيّة، فيتشكل مجتمعا سليما ومتكاملاً.
ثانيا، تحقّق الأسرة القيم الاجتماعيّة، وتحافظ على الأنساب، وعلى المجتمع من المشاكل النفسيّة والجسمية، وتحقيق معاني التكافل الاجتماعيّ.
ثالثاً، الاسرة تغرس القيم الحميدة، والفضائل الخُلُقية داخل الفرد والمجتمع.
رابعاً، تُعتبر الأسرة لبنة الأساس في بناء المجتمعات، حيث إنَّ قوة وضعف المجتمع تُقاس بناء على تماسك الأسرة أو ضعفها، وصلاح المجتمع أو فساده يتعلّق بالأسرة.
بالنسبة للمجتمع الدرزي: يقول الأمير السيد (ق) ان طريق الزواج ركن عظيم في الدين، قاعدته الرضى، وغايته الائتلاف. وهذا أمر تأسيسي لنواة المجتمع الأولى، الأسرة. ولا يؤسس العاقل صورة حياته ومستقبلها فوق جرف هاو، وانما على بنية راسخة من حسن التدبير، وأهمها الوعي ووحدة القلب والعقل معا.
للأسرة أهمية عظيمة في المجتمع الدرزي؛ وذلك لأنَّها المسؤول الأول في تنشئة الأجيال. بحيث يمكن إجمال أهمّيتها في تربية الأبناء ومنحهم العديد من المسؤوليات الاجتماعيّة. حسب قول أرسطو، إن النفس الانسانية تأتي كصفحة بيضاء، أي ليس فيها معرفة فطرية إطلاقا، ولكنها تمتاز عن سائر النفوس الحيوانية بكونها عالمة بالقوة، أي فيها امكانية تحصيل المعرفة. ولما كان الإنسان حسب اعتقاده اجتماعيا بالفطرة، كانت الأسرة برأيه هي النواة الاولى والاساسية لبناء المجتمع. ويشدد الفيلسوف أرسطو أن ارتباط الفرد بالأسرة هو ارتباط جوهري، وان التربية الاساسية يحصل عليها الفرد من أسرته. اضافة الى ذلك، حسب المذهب التوحيدي فان الاسرة مسؤولة عن تأدية وظيفتها التربوية والدينية. حيث يتحقق ذلك، عن طريق صلاح الزوج والزوجة أي بمعنى، الوفاق بينهما والمحافظة على علاقة حسنة وطيبة. هذا الوفاق، ناتج عن اعتمادهما، أي الأهل على العقيدة التوحيدية التي تشدد على المساواة في التعامل بينهما، ليستعينوا بها في تربية ابنائهم وإعدادهم للحياة.
تأثير العصر الحديث على توازن القوى داخل الأسرة:
كانت دائما للأسرة وظائف عديدة، منها:
الوظيفة البيولوجيّة: تتمثل في الحفاظ على استمرارية الحياة.
الوظيفة الاجتماعيّة: تتمثل في تنشئة الأطفال تنشئة اجتماعيّة سليمة، وإكسابهم المهارات والخبرات التي تؤهلهم للعيش والتفاعل في المجتمع، والسعي لتطويره. غالبا، كانت هذه وظيفة الأم، كونها ربة منزل. والأب عادة ساعاته قليلة مع الاولاد.
الوظيفة الاقتصاديّة: أثرت التنمية الاقتصادية على طبيعة الحياة الأسرّية، ونتيجة لهذه التطوّرات زاد استهلاك الأُسر عما سبق، لذلك أصبح الأفراد يضطرون للعمل خارج مُحيط منزلهم من أجل تلبية هذه الاحتياجات المُتزايدة. الحاجة المادية خلقت تقسيم جديد في توازن القوى بين الزوجين داخل الأسرة. فباتت الام تقضي هي الاخرى ساعات طويلة في عملها خارج البيت، مما ادى الى تغيير التركيبة القديمة في تقسيم المهام المنزلية والمطالبة بالمساواة، المشاركة وتقديم يد العون في غالبية المجالات الأسرية بين الزوجين.
الوظيفة العاطفيّة، المهام التعليمية للأبناء والمهام البيتية عادة، رغم خروج الأم للعمل تأخذ الجزء الأكبر من مسؤوليتها وكثيرا ما تشعر الأم في ضغط كبير بسبب تراكم المهام عليها. من جهة اخرى، قدرة الام على العمل داخل البيت وبناء مهنة ذاتية، أو التقدم في علمها وشهاداتها، خلق احيانا جوا من التنافس بين الازواج على القدرات الذاتية والصلاحيات داخل الاسرة وهذا بدوره كان له تأثير سلبي على جودة العلاقة الأسرية والزوجية، اتطرق لاحقا لكيفية حل هذا النوع من الأزمات.
دور الأسرة في بناء القيم والسلوك:
تنبع أهمية الأسرة من إطار أساليبها في بناء قيم الأبناء وسلوكياتهم، حيث يبدأ التوجيه القيميّ من نطاق الأسرة، ثمّ من المدرسة، فالمجتمع، وبمعنى آخر فإنَّ الأسرة هي التي تُنشئ أطفالاً مُدركين طريق الآداب والأخلاق. هذه بعض التوجيهات التربويّة التي يجب التزامها:
- تحديد الوقت الكافي للجلوس مع الأبناء، وتبادل الحوار والأحاديث معهم.
- التركيز على التربية الصالحة، وغرس القيم الحسنة، ولا بدَّ أن يكون الأهل هم القدوة في ذلك.
- الاحترام المتبادل داخل الأسرة الواحدة.
- منح الأبناء عنصر الثقة بالنفس. قبول الاختلافات بين الأبناء، مثل اختيار الملابس، والتنوّع في الهوايات المفضّلة، وغير ذلك من الأمور.
- الثناء على الأبناء ومدحهم بشكل مستمرّ. التروي والصبر في تربية الأبناء.
- عدم استخدام العقاب بحق الأبناء، إنما استعمال طريق تعليم السبب والنتيجة لبناء تحمل المسؤولية عند الابناء.
ما هي مسؤولية الازواج للوصول الى تعامل مشترك لإنجاح جميع او غالبية الامور والبرامج الاسرية؟
قد تتعرض كلّ أسرة لعددٍ من المشاكل البسيطة أو المعقّدة، ممّا يُشكّل تحدٍّ لها لمواجهة هذه المشاكل وحلّها، فعند تعرُّض أي أسرة لمشكلة ما فإنّ جميع أفرادها سيتأثرون بها وخصوصا الذين يعيشون في نفس المنزل، فقد يكون تأثيرها في الحالة النفسية للأفراد أو في التسبّب بحدوث بعض المشاكل الجسمية، وهذا يؤثر على قدرتهم على القيام بواجباتهم اليومية، ممّا يتطلّب منهم التعاون لحل هذه المشكلة، وذلك يقوّي الروابط العائلية، ومن أهم مُسببات المشاكل العائليّة:
- تعدّد الآراء والقيم والأهداف لأفراد الأسرة. خصوصا، إذا أصرّ كل طرف، إثبات ان طريقه هي الأصح والانجح.
- الفقر أو المشاكل الماليّة. غالبا يوجد تأثير سلبي على العلاقات الاسرية بسبب الحالة المادية الصعبة وبالذات، إذا لم يكن عند الأفراد آليات صحيحة تساعدهم على مواجهة الوضع القائم.
- المشاكل الصحيّة سواءً النفسيّة أو الجسميّة. احيانا تفرض هذه المشاكل على الأسرة التنازل عن الكثير من البرامج اليومية، مما يخلق جوا من الضغط والتوتر النفسي عند الأفراد.
- مشاكل تتعلّق بانعدام كلٍّ من الثقة والاحترام بين أفراد الأسرة.
- الكوارث الطبيعيّة – مثل الكورونا في هذه الأيام التي تتطلب نهجا جديدا ومختلفا. العائلة المبنية على المنافسات بين أفرادها، عادة، تجد صعوبة ومشاكل في اتحاد أفرادها من جديد او بناء وتجهيز طريق جديد لها لتتلاءم مع الوضع الجديد.
- الحزن على فقدان شخص عزيز. احيانا فقدان هذا الشخص يؤدي الى حالة من اليأس والاكتئاب وهذا بدوره، يؤدي الى ضعضعة التوازن في العلاقة الأسرية.
- تحديات أكاديميّة تعليمية للأبناء. هذه التحديات تثقل احيانا كثيرة على كاهل الاسرة ماديا.
- تحديات مرحلة المراهقة. مرحلة المراهقة تحمل في طياتها الكثير من التساؤلات، القلق والمخاوف من المجهول. وهذا يزيد من المشاعر المشحونة داخل الاسرة.
قال الأمير السيد (ق) ان تثبيت أواصر الكنف العائلي بالأُلفة والفهم والتفاهم وتبادل العلاقات الواعية، وتوفير الأجواء الهادئة والرشيدة داخل حرمة البيت الأسري وما شابهها من أمور، من شأنه أن يوطد أسس التربية السليمة التي تسهم في بناء شخصية انسانية مستقرة وقادرة لاحقا، على مجابهة تحديات الحياة العملية والفكرية وتطورها الروحي المستقيم، لتجنب مخاطر الفساد مهما بلغت نظريات التطور العلمي والتقني على كافة المستويات.
كيف تكون ردود فعل أفراد الأسرة عند حدوث المشاكل؟
غالبًا ما نرى الخِلافات والنزاعات المُتكررة، انعدام التفاعل بين الأفراد وعدم الاختلاط معاً، العصبية في التعامُل، العُزلة، المزاجيّة، الاكتئاب والتغيُّرات السلوكيّة عند الأبناء.
ما هي الطرق لمواجهة هذه المشاكل؟
اعتماداً على شروحات الأمير السيد (ق) نرى أن تثبيت أواصر العنف العائلي بالألفة والفهم والتفاهم وتبادل العلاقات الواعية، وتوفير الاجواء الهادئة والرشيدة داخل حرمة البيت الاسري وما شابهها من أمور، من شأنه أن يوطد أسس التربية السليمة التي تسهم في بناء شخصية انسانية مستقرة وقادرة لاحقا، على مجابهة تحديات الحياة العملية والفكرية وتطورها الروحي المستقيم، لتجنب مخاطر الفساد مهما بلغت نظريات التطور العلمي والتقني على كافة المستويات. من هنا، نرى أنه تقع على الزوجين، والوالدين مسؤولية توفير أجواء الاحترام، التفاهم
والمساندة المتبادلة للتعاون على تحديات الحياة، وتربية الأبناء تربية صالحة وصحيحة.
كيفية التعامل في غضون أجواء مشحونة وسلبية:
- بداية يستطيع الزوجان او الاهل التغلب على تحديات الحياة او، على الخلافات بينهما. يجب تذويت اهمية فسح المجال لمناقشة المشكلة مع أفراد الأسرة بهدوء وصدق. المحادثة الحرة تسمح بإعطاء مكان للآراء الأخرى، تفهم أفكار ومُعتقدات الآخرين، وهذا بدوره يساعد على تجنُّب الخلافات التي لا داعي لها.
- إيجاد وقت للمرح وتهدئة الأعصاب حتى مع وجود المشكلة. أكدت الابحاث المختلفة، أن التعامل المرح والسلس خصوصا، في أجواء مشحونة وسلبية يساعد الأشخاص على رؤية جوانب اخرى وواسعة للحالة الموجودة. مما يساعد في تقليل حجم التوجه السلبي والانغلاق الفكري.
- وضع خطة لحل المشكلة والالتزام بتنفيذها. هذا الالتزام يساعد الاسرة على مواجهة الامور وعدم الوقوع في نفس الدوائر السلبية مرة اخرى. يجب التشديد هنا أن، الخروج من الدوائر السلبية يساعد الأفراد على التكاتف وتوطيد العلاقة الأسرية من جديد.
- طلب المساعدة من أشخاص مختصين في حال عدم القدرة على حل المشكلة. التوجه للمختصين يساعد الأفراد على رؤية جوانب اخرى وواسعة للقضية. كذلك، يمنحهم المجال لفهم سبب تعامل الشخص الآخر مع القضية بهذا الشكل ومن هنا، تقل عملية اللوم، والانتقاد وخيبة الأمل عند الاطراف التي غالبا، تسبب البعد والجفاء بينهم.
أهمية التوجه للاستشارة والإرشاد من قبل المختصين بشؤون العائلة:
يقوم المستشار/ة المختص/ة لشؤون العائلة والعلاقات الزوجية بإعطاء الآليات الصحيحة عن طريق عدة مسارات:
- الجلسات الأسرية الاستشارية الفردية. وهي عبارة عن مقابلة فردية مع المستشار/ة لشرح القضية الاسرية والتفكير معا في طرق وحلول بديلة للمشاكل المطروحة. وأيضا، عن طريق تعلم مهارات صحيحة للاتصال والتواصل، بهدف ادارة الضغوطات والوصول للسعادة الأسرية والزوجية.
- برامج ودورات تدريبية. تعمل هذه الدورات على بناء الثقة بالنفس وإعطاء آليات للتعامل الصحيح داخل الاسرة. الدورات تمنح المشتركين الشعور بوحدة حال مع باقي المشتركين، نتيجة للتشابه بين التحديات المختلفة التي يطرحونها.
3. محاضرات لنشر التوعية بما يخص التغييرات السريعة التي يواجهها الأزواج والأهل بسبب عصر التكنولوجيا والعولمة من جهة، والحفاظ على هويتنا كطائفة محافظة، تقليدية لها جذورها، عاداتها وتقاليدها من جهة اخرى.