الأمير رافع بن أبي اللّيل الكلبيّ، رضي الله عنه، وكنيته “أبو العلاء”، هو من أمراء عرب العراق، قَدِم حلبَ وأصبح من ذوي الأملاك فيها، وتولّى إمارة “بني كلب” بعد وفاة عمّه الأمير الّذي كان مقرّبًا من الخليفة الفاطميّ الظّاهر لإعزاز دين الله. عاش في النّصف الأول من القرن الميلاديّ الحادي عشر، ويُعدّ في الأصول التّوحيديّة شخصيّة روحانيّة-تاريخيّة على قدر عظيم من الأهمّيّة والاحترام، وله دور عظيم في بثّ دعوة التّوحيد ورَدّ الأذى ورفع الظّلم عن جماعة الموحّدين المستجيبين للدّعوة، ومن ألقابه المشهورة نذكر: السّيّد الكامل، النّاهض لحقن دماء الموحّدين والملك القيل.
بعد غيبة الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطميّ السّادس، في ليل الثّاني عشر من شباط عام 1021، اعتلى ابنه، عليّ الظّاهر لدين الله، عرش الخلافة، فلاقى الموحّدون منه اضطهادًا وتعذيبًا وتنكيلًا شديدين؛ إذ هدر دماءهم وأراد القضاء عليهم إن لم يقدّموا له الولاء المُطلق، وذلك كلّه بمشورة صالح بن مرداس، خصم الموحّدين كما تصفه المصادر التّوحيديّة، وسُمّيت موجة الاضطهاد تلك بلسان الموحّدين “محنة الدّجّال” وقد امتدت بين عامَي 1021-1026 م.، وطالت المناطق كافّةً بين أنطاليا والإسكندريّة، وعلى إثرها توقّفت الدّعوة إلى مذهب التّوحيد في تلك الفترة. كان الأمير رافع واحدًا من قوّاد الخليفة الظّاهر، آنذاك، وقد جهد في رفع يد الظّلم والضّيم عن إخوانه وفي حقن دمائهم، ويقدّر عدد ضحايا هذه المحنة بالآلاف.
وفي الثّاني عشر من آذار عام 1029 م. وقعت معركة الأقحوانة، وكانت معركة مصيريّة في تاريخ الموحّدين الدّروز، دارت رحاها في سهل الأقحوانة الممتدّ جنوبَ بحيرة طبريّة، بين حلف الموحّدين، بقيادة انوشتكين الدّزبريّ[1]، الأمير المظفّر منتجب الدّولة، والأمير رافع بن أبي اللّيل، من جهة، والمرتدّين الثّلاثة: صالح بن مرداس، والي حلب، وحسّان بن مفرج وسنان بن عليّان، من جهة أُخرى. وفي المعركة المذكورة قُتل صالح بن مرداس على يد الأمير رافع بن أبي اللّيل، فتسلّم ابنه، نصر، دفّة القيادة ودخل مباشرةً في أزمة شديدة مع البيزنطيّين الّذين اشترطوا عليه تسليم حلب أو تقديم الولاء لهم، أمّا نصر بن صالح فاختار الولاء. في تلك المرحلة ازداد عدد الموحّدين المستجيبين للدّعوة من حلب وأنطاكيا ومختلف بلاد الشّام، فشعر البيزنطيّون والمرداسيّون بالتّهديد وقرّروا ضرب عصب الموحّدين بعد أن باتوا قوّة سياسيّة-عسكريّة لا يُستهان بها، خاصّةً وأنّهم سيطروا على المناطق الاستراتيجيّة كافّةً المشرفة على نهر العاصي. وهكذا، قتل البيزنطيّون قسم من دعاة المذهب وزعماء الموحّدين والكثير الكثير من المستجيبين، وكان ذلك عام 1032 م.، فلجأ الموحدّون إلى الاختباء في الجبال، وتعقّبهم البيزنطيّون والمرداسيّون فحاصروهم مدّة 22 يومًا، كما جاء في المصادر، حتّى خرجوا من تحصيناتهم يطلبون الأمان، فقُتل منهم الكثير أيضًا، وسميّت تلك الفترة “محنة أنطاكيا وحلب”. وفي تلك الاثناء كان الأمير رافع جزءًا من التّحالف القبليّ؛ يُهادن البيزنطيّين ويسكت على تعدّياتهم على مضض، في محاولة استراتيجيّة منه للحفاظ على أرواح الموحّدين، باتّفاق سرّيّ مع بني تنّوخ وبني جندل وفخر الدّولة أبي يعلى حمزة بن الحسين الدّمشقيّ. واستمرّت هذه الحال حتّى انتهى عهد الخليفة الظّاهر، عام 1036 م.، واعتلى العرش الخليفة المستنصر لدين الله.
عادت دعوة التّوحيد وفتحت أبوابها أمام المستجيبين، وقدّم الموحّدون ولاءهم للخليفة الجديد، وانضمّ الأمير رافع بن أبي اللّيل الى جيش الفاطميّين في بلاد الشّام، في خطّة للقضاء على نصر بن صالح وإزالة خطر البيزنطيّين عن أهل التّوحيد. لاحقًا أصبح الأمير رافع قائدًا للجيش الفاطميّ، وهزم نصر بن صالح في معركة تلّ فاس فقُتل الأخير وكان ذلك عام 1038 م.، وهكذا انتصر الفاطميّون، بقيادة ابن أبي اللّيل على المرداسييّن واستعادوا حلب، وحلّت على الموحّدين فترة هدوء واستقرار نسبيّ.
للأمير رافع بن أبي اللّيل مقام مقدّس في قرية سليم، في السّويداء، وهو في الأصل مبنى قصر رومانيّ، شُيّد في القرن الميلاديّ الأوّل، ثم تهدَّم بفعل عوامل الطّبيعة، وتحوّل، لاحقًا، إلى مزار الأمير رافع، رضي الله عنه.
_______________________________________
[1] أنوشتكين الدّزبريّ، كنيته أبو منصور، كان قائدًا تحت راية الدّولة الفاطميّة، وهو الأمير المظفَّر، وأمير الجيوش، وعدّة الإمام، وسيف الخلافة، وعضد الدّولة، وشرف المعالي، هذه كلّها ألقاب كانت من نصيبه في مسيرة حياته. وُلد فيما وراء النّهر، في منطقة جبليّة تُسمّى “ختل”، استُعبد وحُمل إلى بغداد، ثمّ إلى دمشق عام 400 هجريّ، حيث اشتراه القائد الفاطميّ دزبر بن أونيم الدّيلميّ وأهداه، لاحقًا، إلى الخليفة الفاطميّ الحاكم بأمر الله في جُملة غلمان عام 403 هجريّ، فسيّره الحاكم مع سديد الدّولة في العسكر إلى الشّام عام 406 هجريّ، ودخل دمشق، ثمّ عاد إلى مصر ولزم خدمة الخليفة الحاكم. كان الدّزبريّ قائدًا عسكريًّا شجاعًا، استطاع ضمّ غالبيّة بلاد الشّام تحت سُلطة الدّولة الفاطميّة، وصار واليًا على بعلبك، ثمّ قيساريّة في فلسطين وبعدها حلب؛ إذ طرد قوّات المرداسيّين منها.
***
للاستزادة والتّوسُّع:
- ابن الأثير. الكامل في التّاريخ. ط. 4. بيروت: دار الكتب العلميّة، ج. 8، 2003.
- أبو إسماعيل، سليم. الدّروز: وجودهم ومذهبهم وتوطّنهم. بيروت: مؤسّسة التّاريخ الدّرزيّ، 1952.
- الأشرفاني محمّد بن عبد المالك. عمدة العارفين في قصص النّبيّين والأُمم السّالفين. د. م.: د. ن.، ج. 3، د. ت..
- الصّغيّر، سعيد. بنو معروف في التّاريخ. دمشق: دار علاء الدّين، 2002.
- الصّليبيّ، كمال. بلاد الشّام في العصور الإسلاميّة الأولى. ط. 3. بيروت: نوفل، 2011.
- علم الدّين، سليمان سليم. دعوة التّوحيد الدّرزيّة. بيروت: منشورات نوفل، 1998.
- ابن القلانسيّ. ذيل تاريخ دمشق (الصّواب: المذيَّل في تاريخ دمشق). بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيّين، 1908.
- كيّوف، كمال. “الموحدون الدّروز بين العقل الإبداعيّ والعقل الاتّباعيّ”. نهج الميثاق 1 (كانون ثانٍ 2020).
- ناطور، سميح. “معركة الأقحوانة”. موسوعة التّوحيد الدّرزيّة، سميح ناطور (تحرير). ج. 1 (2011)، ص. 195.
- ناطور، سميح. “رافع بن أبي اللّيل”. موسوعة التّوحيد الدّرزيّة، سميح ناطور (تحرير). ج. 2 (2011)، ص. 274.