الأمير قرقماز بن فخر الدّين المعنيّ الأوّل

الأمير قرقماز بن فخر الدّين المعنيّ الأوّل

الأمير قرقماز بن فخر الدّين المعنيّ الأوّل كان واحدًا من أعمدة الأُسرة المعنيّة الّتي تركت بصمتها البارزة في تاريخ جبل لبنان. هو نجل الأمير فخر الدّين المعنيّ الأوّل الّذي يُعدّ واضع الأسس الأولى لإقامة الدّولة المعنيّة. تزوّج الأمير قرقماز الأميرة نسب التّنّوخيّة، شقيقة الأمير منذر التّنّوخيّ، ويمكن القول إنّ هذا الزّواج شكّل تحالفًا قويًّا بين العائلتين؛ المعنيّة والتّنّوخيّة، ما أسهم في تعزيز وَحدة الإمارة وقوّتها. رُزق الأمير قرقماز وزوجته ولدَين هما: الأمير فخر الدّين الثّاني والأمير يونُس، اللّذين ولدا في بعقلين الواقعة في جبل ابن معن المعروف، أيضًا، بجبل الدّروز.  كانت الأميرة نسب التّنّوخيّة شريكًا فعّالًا في إدارة شؤون الإمارة؛ إذ أعانت زوجها في تحمُّل أعباء الحُكم وسعت إلى تعزيز الوَحدة بين الأمراء، ما أسهم في استقرار الإمارة في فترة حرجة من تاريخها.

تولّى الأمير قرقماز الحُكم بعد وفاة والده، الأمير فخر الدّين المعنيّ الأوّل، عام 1544 م.، في ظلّ ظروف شديدة الصّعوبة. كان مقتل والده على يد والي دمشق حدثًا مفصليًّا في حياته؛ إذ أشعل في نفسه رغبةً عارمة في الانتقام. وقف اللّبنانيّون إلى جانب الأمير قرقماز في ثورته ضدّ العثمانيّين، وشنّوا هجمات متكرّرة على الجيوش العثمانيّة، انتقامًا لمقتل أميرهم.

اشتهر الأمير قرقماز بكرهه العميق للعثمانيّين الّذين لم يكتفوا بقتل والده، بل سعوا دائمًا إلى تقويض نفوذ أُسرته. كان الأمير قرقماز يمثّل روح التّمرّد في وجه الهيمنة العثمانيّة، مستمدًّا قوّته من دعم اللّبنانيّين الّذين وجدوا فيه قائدًا يجسّد تطلّعاتهم للاستقلال والكرامة.

اتّبع الأمير قرقماز نهج والده في سياسته الدّاخليّة؛ إذ حرص على تعزيز العلاقات مع مختلف مكوِّنات المجتمع اللّبنانيّ، سيّما النّصارى. عاملهم معاملة حسنة، واتّخذ البعض منهم مساعدين ومستشارين مقرّبين، ما أكسبه ولاء اللّبنانيّين الّذين ظلّوا مخلصين له، تقديرًا لسياسته المنفتحة والعادلة. كانت هذه الخطوة جزءًا من رؤية الأمير لبناء وَحدة وطنيّة تعزّز استقرار إمارته وتدعم مكانتها في مواجهة التّحدّيات الدّاخليّة والخارجيّة.

رغم جهوده لتعزيز الوَحدة، شهدت فترة حُكم الأمير قرقماز اضطرابات داخليّة كبيرة، عكست الانقسامات القبليّة والسّياسيّة الّتي كانت تهيمن على المشهد اللّبنانيّ، في ذلك الوقت:

الصّراعات بين القيسيّة واليمنيّة: انتشرت النّزاعات بين الحزبَين القيسيّ واليمنيّ، خاصّةً في جبل الشّوف وشمال لبنان. كان لهذه الصّراعات أثر كبير في تقويض الاستقرار الدّاخليّ؛ إذ تنازع الطّرفان النّفوذَ والسّيطرة على مناطق مختلفة من لبنان؛

التّوتّر بين آل عسّاف وآل سيفا: في شمال لبنان، احتدمت المنافسة بين آل عساف وآل سيفا على الحُكم، في مناطق بيروت وطرابلس، ما زاد من تعقيد المشهد السّياسيّ وأثّر في قدرة الأمير قرقماز على فرض سيطرته الكاملة؛

طموحات آل فريخ في الجنوب: في جنوب لبنان، طمحت أسرة آل فريخ إلى السّيطرة على إمارات الدّروز في المتن والشّوف ووادي التّيم، ما شكّل تهديدًا إضافيًّا لحُكم الأمير قرقماز واستقرار الإمارة.

رغم التّحدّيات وعدم الاستقرار الّذي طبع فترة حُكمه، أظهر الأمير قرقماز رؤية استراتيجيّة للنّهوض بإمارته وترسيخ دعائم الحُكم. لم تثنه النّزاعات الدّاخليّة والضّغوط الخارجيّة عن العمل على تعزيز الأمن والاستقرار وتنفيذ مشاريع بنيويّة وتنمويّة طموحة. ففي مجال التّشييد والبناء قرّر الأمير قرقماز المضيّ قدمًا في تشييد القلاع والقصور الّتي كانت رمزًا للقوّة والاستقرار وأداة لتأمين مناطقه ضدّ أيّ تهديد خارجيّ. كما أولى اهتمامًا خاصًا بتأمين الطُّرق، ما أسهم في تحسين الحركة التّجاريّة وتسهيل تنقُّل السّكّان بين مختلف المناطق، وهو ما انعكس إيجابيًّا على ازدهار الاقتصاد المحلّيّ. وفي مجال الأدب والعِلم، كان الأمير قرقماز راعيًا للأدباء والشّعراء وأهل العِلم؛ إذ قرّبهم من بلاطه وأفسح لهم المجال لنشر إبداعاتهم. ساعدت هذه الرّعاية في تعزيز مكانة إمارته بوصفها مركزًا ثقافيًّا وفكريًّا في المنطقة، وأصبحت بيئة ملهمة لأهل الفكر والثّقافة.

كان حُكم الأمير قرقماز استمرارًا لنهج والده في السّعي نحو الاستقلال؛ إذ أدار شؤون البلاد بأسلوب متوازن بين منح الإقطاعيّين سُلطة الفصل في القضايا الحقوقيّة والجزائيّة، مع احتفاظه بالتّصرّف في القضايا الكبرى. وعلى التّحدّيات السّياسيّة والصّراعات الدّاخليّة بين القيسيّة واليمنيّة، فضلًا عن الخلافات بين آل عسّاف وآل سيفا، في الشّمال، ظلّ الأمير قرقماز يسعى إلى الحفاظ على وَحدة إمارته وتعزيز نفوذها.

حادثة خزينة السّلطان

في عام 1584 م. وقعت حادثة أثارت غضب الدّولة العثمانيّة، حين تعرّضت خزينة السّلطان الّتي كانت تُنقل، على يد جنود إنكشاريّة، من طرابلس إلى إستنبول، لهجوم من مجهولين في منطقة جون عكّار، يُرجَّح أنّهم من عكّار، وسُلبت الأموال. استغلّ يوسف سيفا وابن فريخ هذه الحادثة لإلصاق التّهمة بالأمير قرقماز، مع أنّ الحادثة وقعت خارج حدود ولايته. ورغم عدم تورُّط الأمير، صدّقت الدّولة العثمانيّة هذه التّهمة، مستغلّةً الحادثة ذريعة للبطش بالمعنيّين وكسر شوكتهم.

أرسل العثمانيّون حملة عسكريّة كبيرة بقيادة الوزير إبراهيم باشا، والي مصر، تضمّ عشرين ألف مقاتل، بهدف القضاء على نفوذ المعنيّين وإذلال الدّروز. تعرّضت تلك الحملة لقرى الدّروز بالتّدمير والنّهب؛ إذ حُرقت تسع عشرة قرية درزيّة، ونُهبت أربع وعشرين قرية، إضافةً إلى القتل والتّشريد وقطع الأشجار وحرق المحاصيل. واجه الأمير قرقماز الموقف وحيدًا، بعد خيانة حُكّام الشّوف وكسروان، ما اضطرّه إلى الفرار مع عائلته والاختباء في مغارة تيرون، قرب جزّين. وحين حاول عقّال الدّروز ووجهاؤهم التّفاوض مع إبراهيم باشا، غدر بهم وقتل منهم ستمّائة رجُل، ما زاد من المأساة الّتي حلّت بالدّروز.

بلغ الأمير قرقماز نبأ المجزرة الّتي طالت وجهاء الدّروز، وأُصيب بصدمة شديدة أثّرت في صحّته، فمرض وتوفّي في مخبئه، في مغارة تيرون، عام 1584 م.، قهرًا على ما حلّ بشعبه وإمارته.

ترك الأمير قرقماز وراءه ولدَيه، فخر الدّين الثّاني ويونُس، وهما صغيران في السّنّ. تحمّلت والدتهما، السّتّ نسب، مسؤوليّة عن حمايتهما، وأوكلت تربيتهما للحاجّ كيوان الّذي أخفاهما في قضاء كسروان لمدّة ستّ سنوات، حيث نشآ وترعرعا بين آل الخازن، وظلّ خبر وجودهما سرًّا خشية بطش العثمانيّين.

شكّلت وفاة الأمير قرقماز ونهاية حكمه محطّة مأساويّة في تاريخ الدّروز، لكنّها كانت، أيضًا، بداية جديدة لصعود آل معن تحت قيادة ابنه، الأمير فخر الدّين الثّاني، الّذي ورث إرث والده في السّعي نحو استقلال لبنان وتعزيز مكانته.

* * *

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. طقّوش، محمّد. تاريخ بلاد الشّام (الحديث والمعاصر). بيروت: دار النّفائس 2014.
  2. الأحدب، عزيز. فخر الدّين الكبير. عكّا: مكتبة ومطبعة السّروجي، 1974.
  3. أبو صالح، عباس؛ مكارم، سامي. تاريخ الموحّدين الدّروز السّياسيّ في المشرق العربيّ. بيروت: د. ن.، 1981.
  4. زهر الدّين، صالح. تاريخ المسلمين الموحّدين الدّروز. بيروت: المركز العربيّ للأبحاث والتّوثيق، 2007.
  5. فلاح، سلمان؛ وآخرون. تاريخ الدّروز. القدس: وزارة المعارف والثّقافة: 1988.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה