مجيد توفيق أرسلان، أمير لعائلة عريقة تربّعت في قمّة الهرم السّياسيّ لجماعة الموحّدين الدّروز في لبنان الّتي كانت محورًا أساسًا في حياة هذا البلد الوطنيّة، وقُطب لامع من أقطاب الطّائفة المعروفيّة على مرّ تاريخها. في حياته عاش الأحداث الكبرى التّي سطّرت تاريخ لبنان المعاصر، وكان له دور رائد في الثّورة الوطنيّة عام 1943 م. ورُكن أساس في الحكومة الّتي أدارت معركة الاستقلال، وله موقف ثابت ومشرّف في تبنّيه حقّ الطّائفة الدّرزيّة في التّمثيل الحكوميّ. تميّزت مسيرته الطّويلة الّتي تنضخ بمواسم المعارك والبطولات والتّحدّيات بالاعتدال السّياسيّ والممارسة الدّيمقراطيّة والعقلانيّة، وعلى ذلك يشهد التّاريخ، وقد تبوّأ مناصب إداريّة هامّة منذ عام 1937 م. حتّى عام 1975 م.، فكان من أبرز رجالات الدّولة.
وُلد الأمير مجيد أرسلان في بعقلين، في الثّامن من شباط عام 1908م.، والده، الأمير الشّيخ توفيق، كان قائمقام قضاء الشّوف، ووالدته هي الأميرة نهديّة، ابنة الأمير كنج الشّهابيّ، وله من الإخوة ثلاثة؛ رياض، ملحم ونهاد، وأخت واحدة هي زاهية. عام 1932 م. تزوّج الأميرة لميس، ابنة الأمير خالد شهاب، وقد أنجبا ولدَيْن هُما توفيق (2003-1935 م.) وفيصل (2009-1941 م.). وبعد وفاة زوجته لميس تزوّج ثانيةً، وزوجته هي السّيّدة خوله رشيد جنبلاط، وقد أنجبا ثلاث بنات، هُم: زينة، ريمة ونجوى، وولدًا وحيدًا هو طلال، رئيس الحزب الدّيمقراطيّ اللّبنانيّ الّذي أسّسه بنفسه عام 2001 م..
عام 1915 م. عُزل الأمير توفيق أرسلان من منصبه في القائمقاميّة، على يد جمال باشا، ونُفي مع أخيه، الأمير فؤاد، إلى بلاد الأناضول، ومكث فيها سنينَ ثلاث حتّى عودته إلى أرض الوطن، أمّا سبب نفي الأخوَيْن فكان نزعتهما الاستقلاليّة المعروفة. وهكذا عادت أسرة الأمير مجيد واستقرّت في بلدة الشّويفات، قضاء عاليه. وهناك، في بلد الرّوابي، تتلمذ الأمير على يد المدرّس بشارة البستانيّ، وأنهى دراسته الابتدائيّة في مدرسة اميليا طراد، ثمّ التحق بمدرسة الفرير ماريست، في بيروت، ومنها انتقل إلى المدرسة العلمانيّة الفرنسيّة “اللّاييك” لينهي فيها المرحلة الثّانويّة ويلتحق، بعد ذلك، بالكلّيّة الحربيّة في حمص.
انطلق الأمير مجيد في مشواره السّياسيّ في سنّ مبكرة، مع أنّ والده، الأمير توفيق، أراد لأخيه، الأمير نهاد، تسلُّم زعامة البيت الأرسلانيّ وخوض المعترك السّياسيّ، في حين أراد للأمير مجيد أن يُشرف على إدارة أملاك العائلة؛ إلّا أنّ الظّروف والإرادة القويّة شاءت غير ذلك، فخُلعت على الأمير مجيد عباءة الزّعامة يوم وفاة والده، في الخامس من أيلول عام 1931، وحُسمت المسألة لصالح الزّعيم الفَتِيّ، وهتف النّاس له بالولاء بعد أن فاز في الانتخابات الفرعيّة الّتي جرت في العام نفسه، فدخل الأمير مجيد المجلس النّيابيّ بالإجماع وبموجب قرار رسميّ، وقد كان كما وصفه نجيب البعيني “رجلًا شعبيًّا سايَر الصّغير والكبير، بدون تكبُّر وعجرفة… لذلك أحبّه النّاس وأحبّوا فيه تلك المزايا والخصال الطّيّبة الّتي قلّ أن تجتمع في زعيم سواه”.[1]
كان له دور فعّال في المجلس التّشريعيّ الثّالث بين عامَي 1934-1937 م.، وانتُخب عضوًا في عدّة لجان نيابيّة، منها: المعارف والأشغال والصّحّة والزّراعة. وكان متابعًا جدّيًّا للشّأن العامّ، يولي اهتمامه للمطالب الشّعبيّة ويناقشها في جلسات مجلس النّوّاب، ثمّ يطرح بشأنها حلولًا واردة، وله مواقف واضحة في الدّفاع عن العاملين وزيادة أجورهم، وعن الموظّفين العسكريّين كالشّرطة والجندرمة ورفع رواتبهم وتعويضاتهم. من جهة أُخرى لم يكن الأمير مجيد متساهلًا ولا متهاونًا مع المتحايلين على القانون، حتّى لو كان هؤلاء يجلسون تحت قبّة البرلمان. ونراه في الانتخابات الائتلافيّة، عام 1937 م.، يفوز بتمثيل الدّروز، إلى جانب حكمت رشيد ورشيد جنبلاط، عن جبل لبنان، فيصبح من أركان المعارضة النّيابيّة، إلى جانب كونه مقصد المظلومين على يد أجهزة السُّلطة والمدافع عن حقوقهم والمنادي بأصواتهم.
الأمير مجيد أرسلان
فاز الأمير مجيد في الانتخابات النّيابيّة عدّة مرّات بين عامَي 1931-1972 م.، كما أشغل مناصب وزاريّة عديدة ومتنوّعة امتدّت على مدار 38 عامًا؛ فكان وزير الزّراعة عام 1937 م.، ثمّ وزير الصّحّة والدّفاع في الأعوام 1943 م.، 1944 م. و-1946 م.، ووزير الاتّصالات والدّفاع عام 1946 م.، أيضًا، وعام 1947 م.، ووزير الزّراعة والدّفاع عام 1948 م.، ثمّ وزير الدّفاع عام 1949 م.، ووزير الصّحّة والدّفاع عام 1954 م.، ووزير الدّفاع في العامَيْن 1955-1956 م.، ووزير الصّحّة والزّراعة عام 1956 م.، ووزير الاتّصالات والدّفاع عام 1957 م.، ووزير الزّراعة ثانيةً عام 1958 م.، ومجدّدًا وزير الدّفاع في العامَيْن 1960-1961 م.، ووزير الدّفاع والعدل عام 1968 م.، ووزير الدّفاع عام 1969 م.، ووزير الدّولة عام 1973 م.، ثمّ وزير الصّحّة عام 1974 م.، ووزير الصّحّة والزّراعة والإسكان عام 1975 م.، إضافةً إلى دوره الكبير في تأسيس الجيش اللّبنانيّ، بالتّعاون مع القائد فؤاد شهاب.
أمّا القصّة الأبرز في مسيرة الأمير السّياسيّة فهي قصّة الاستقلال؛ إذ كان لبنان راضخًا للانتداب الفرنسيّ منذ عام 1918 م.، وذلك بعد الحرب العالميّة الأولى. وفي عام 1943 م. وُقّع الميثاق الوطنيّ من قِبل زعماء الدّولة ووزرائها، ونصّ على بنود عدّة، نذكر من بينها: لبنان بلد مستقلّ ذو وجه عربيّ؛ لا يُحكَم لبنان من قبل الغرب ولا من الشّرق؛ لا للاستعمار وغير ذلك. وفي العاشر من تشرين ثانٍ عام 1943 م. جاء ردّ الفرنسيّين على الميثاق باعتقال الرّئيس بشارة الخوري وبعضٍ من الوزراء وسجنتهم في قلعة راشيّا، في البقاع، أمّا الوزير مجيد أرسلان فقد نجا من الاعتقال لتغيّبه عن منزله في اللّيلة نفسها. وفي اليوم التّالي شكّل الأمير مجيد وصبري حمادة وحبيب أبو شهلا ما يُعرف بـِ-“حكومة لبنان الحرّ” برئاسة حبيب أبو شهلا، وكان مقرّها في قرية بشامون؛ حيث رُفع العلَم اللّبنانيّ الجديد. وبعد أيّام عشرة أُفرج عن المعتقلين السّياسيّين بضغط داخليّ وتدخُّل خارجيّ، وانضمّوا إلى ذويهم في بشامون حيث أُنشد النّشيد الوطنيّ وأُعلن لبنان دولةً مستقلّة في اليوم التّالي؛ الثّاني عشر من تشرين ثانٍ عام 1943 م.، وأصبح الأمير مجيد أرسلان بطلَ استقلال لبنان.
في الثّامن عشر من أيلول عام 1983 م. فارق الأمير مجيد الحياة عن عمر ناهر الـ-75 عامًا. وخلفه نجله، الأمير طلال أرسلان.
_____________________________________________
[1] نجيب البعيني، رجال من بلادي (ط. 2؛ د. م.: مؤسّسة دار الرّيحانيّ للطّباعة والنّشر، 1986) ج. 2، ص. 243.
***
للاستزادة والتّوسُّع:
- الحلبي، عبّاس. الموحّدون الدّروز؛ ثقافة وتاريخ ورسالة. بيروت: دار النّهار، 2008، ص. 141.
- خليل الباشا، محمّد، “أرسلان، مجيد”، معجم أعلام الدّروز، محمّد خليل الباشا (تحرير)، ج. 1 (1999).
- الرّديني، ماجد كامل. الأمير مجيد توفيق أرسلان ودوره السّياسيّ في لبنان: 1908-1938. د. م.: دار بلال للطّباعة والنّشر، 2022.
- ضاهر، عدنان محسن؛ غنّام، رياض. المعجم النّيابيّ اللّبنانيّ 1861-2006. بيروت: دار بلال للطّباعة والنّشر،2007، ص. 37.
- عبّود، الياس. أوراق مضيئة للأمير الفارس مجيد أرسلان قاهر اتّفاقيّة سايكس-بيكو. جونيه: د. ن.، 1984.
- أبو عماد، عاطف. الأمير مجيد أرسلان. لندن: مؤسّسة التّراث الدّرزيّ، 2009.
- ناطور، سميح. “أرسلان، مجيد توفيق”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 1، 2011، ص. 149-150.