الثّورة العامّيّة في حوران 1889-1890 م.

الثّورة العامّيّة في حوران 1889-1890 م.

ثورة “العامّيّة” في حوران كانت جزءًا من موجة انتفاضات قام بها الفلّاحون في الإمبراطوريّة العثمانيّة، في نهاية القرن الميلاديّ التّاسع عشر، ضدّ جباية الضّرائب. على رأس الانتفاضة العامّة فجّرت مجموعات معيّنة في جبل حوران تمرّدًا درزيًّا آخر ضدّ قيادة إبراهيم الأطرش، قائمقام جبل حوران الّذي كان يُعرف، حينذاك، باسم “جبل الدّروز”. كثيرًا من وُصفت “العامّيّة” بأنّها تمرّد فلّاحين، غير أنّها، في الحقيقة، كانت حدثًا أكثر تعقيدًا قاده شيوخ من قرى حوران، سعوا به إلى عزل إبراهيم الأطرش من منصب قائمقام. قاد أولئك الشّيوخ محاربين وفلّاحين نجحوا في طرد زعماء القُرى وحكّام آل الأطرش من حوران. على إثر ذلك أرسل الحُكم المركزيّ قوّات عسكريّة إلى حوران لقمع التّمرّد وإعادة إبراهيم الأطرش إلى منصبه. وكانت النّتيجة الأساس للثّورة المذكورة تعميق السّيطرة العثمانيّة في حوران الّتي تجلّت في الزّيادة الكبيرة في الحاميات العسكريّة وتسليحها، تسجيل الأراضي، جباية الضّرائب، وتدخُّل في شؤون النّخبة الدّرزيّة.[1]

كانت ثمانينيّات القرن الميلاديّ التّاسع عشر، على الأقلّ في النّصف الأوّل منها، سنوات من التّعاون المريح، نسبيًّا، بين الدّروز في حوران والحكومة العثمانيّة. في عام 1882 م. نُصِّب إبراهيم الأطرش قائمَقامِ جبل حوران، وفي دمشق تمتّع الدّروز بقيادة الوالي حمدي باشا المريحة في الحُكم، والمُشير حسين فوزي باشا في قيادة الجيش الخامس. مع ذلك فإنّ حاميات الجيش الخامس العسكريّة في حوران قد زادت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة. وأدى استبدال الوزير الأوّل في إسطنبول والوالي في دمشق عام 1886 م. إلى تغيير في السّياسة وإلى محاولة عثمانيّة أُخرى لإجراء إحصاء سكّانيّ في حوران ومحاولة إنشاء مدارس إمبراطوريّة بقيادة الوالي ناشِد باشا والوزير كامل باشا. بدأت مجموعات من الفلّاحين الدّروز بالاستعداد لإطلاق التّمرّد ونظّموا أنفسهم للقتال في اللّجاة. نتيجة لذلك أُجريت مفاوضات مباشرة بين إبراهيم الأطرش وناشد باشا، وعُلِّقت الإصلاحات الّتي أرادت الحكومة تمريرها، وظلّ جبل حوران متمتّعًا بثلاث سنوات أُخرى من الهدوء النّسبيّ.[2]

خلال السّنوات الهادئة الّتي مرّت بسلام على العلاقات الدّرزيّة والحُكم العثمانيّ حدث تغيير في العلاقات بين مختلف القوى الدّرزيّة داخل حوران على خلفيّة قيادة إبراهيم الأطرش. في عام 1884 م. اختار شيوخ حوران شبلي الأطرش، شقيق إبراهيم ذا الشّخصيّة الجذّابة، زعيمًا لهم، والتمسوا من السُّلطات تعيينه في منصب قائمقام. لم تستجب الحكومة المركزيّة في دمشق لالتماسات الدّروز، صحيح أنّ شبلي عُيِّن مديرًا لعِرى، غير أنّ هذه الخطوة هدفت إلى إخضاعه لإبراهيم. كان استخدامه لصلاحيّاته الإداريّة مفرطًا، خاصّةً فيما يتعلّق بمصادرة الأراضي لبلدة يسكنها مهاجرون دروز، من جبل لبنان، لم تكن في حوزتهم أيّ أملاك. كان المهاجرون من جبل لبنان، منذ البداية، القاعدة المتينة الّتي مكّنت من صعود أُسرة الأطرش على حساب أُسرة الحمدان، وكان يُنظر إلى إبراهيم الأطرش على أنّه شخص يُسيء إلى نموذج “المشيخة” في حوران من أجل زيادة سُلطته السّياسيّة. علاوةً على ذلك فقد كان يُنظر إليه على أنّه متعاون مع الحكومة المركزيّة، وفي أيّار عام 1889 م.، مع انتهاء ولاية المُشير حسين فوزي باشا، حصلت أزمة في العلاقات بين دروز حوران والحكومة العثمانيّة. [3]

اندلعت الثّورة بشكل نمطيّ مع تغيير المُشير في الجيش الخامس الّذي مُنع من قمْع التّمرّد بسبب تجنُّد كتائب الاحتياط لمهامّ أُخرى في أنحاء الإمبراطوريّة، خاصّةً في جزيرة كْريت. اضطُرّ إبراهيم إلى التّخلّي عن سياسة مصادرة الأراضي حتّى نهاية عام 1889 م.. وفي ربيع عام 1890 م. اندلعت ثورة أُخرى بفضل الدّافعيّة الكبيرة الّتي استمدّها الثّائرون من نجاحهم العامَ السّابق. هؤلاء هاجموا السّويداء وأجبروا إبراهيم ورجاله، بمن فيهم شقيقه شبلي، على مغادرة المدينة والبحث عن ملجأ لهم في دمشق. في هذه المرحلة تحلَّق كبار المشايخ حول سعيد حمدان، واحد من أفراد الأسرة الحاكمة سابقًا الّتي أخذت مكانها عائلة الأطرش، وطالبوا الحكومة في دمشق بتعيينه في منصب قائمقام.

ردًّا على احتلال السّويداء جُنّدت الاحتياطيّات في الجيش الخامس وأرسلت الحكومة المركزيّة قوّات عسكريّة إضافيّة وصلت إلى حوران من الجيش الثّالث في سالونيك. وسرعان ما أُخضعت الثّورة وعاد إبراهيم الأطرش إلى منصبه وكُرسيّه في السّويداء، بموافقة الشّيوخ الثّوّار. مع ذلك، لم يوافق الثّوّار على شروط الاستسلام كلّها الّتي شملت جمْع الأسلحة، تسجيل الأراضي وتطبيق قوانين الضّرائب العامّة للإمبراطوريّة على الدّروز في حوران. قدم الشّيوخ المتمرّدين التماسات إلى الحكومة المركزيّة، زاعمين أنّهم رعايا مخلصون للسّلطان، لكنّهم عاقدو العزم على حماية استقلالهم المجتمعيّ في حوران كما كان منذ أجيال.

ردًّا على الرّفض الدّرزيّ، في نهاية حزيران 1890 م.، أُرسلت قوّات الجيش لمهاجمة السّويداء مباشرة، وكان فيها حوالي 4,000 مقاتل درزيّ في ذلك الوقت. قوّات الجيش الخامس المعزّزة هاجمت السّويداء بِوابل من قصف مدفعيّ قبل أن تغزوها وتُحدث فيها معركة دامية مع الثّوّار الدّروز. لم يتمكّن المتمرّدون من قطع سلسلة الإمداد عن دمشق الّتي كانت أسرع خلال هذه الفترة بسبب بناء الطّريق من دمشق إلى حوران في عام 1888 م.. وفي غضون أيّام معدودة رُفع الحصار وعاد المتمرّدون إلى قُراهم. عاد إبراهيم الأطرش إلى دفّة السُّلطة، وأقام الجيش الخامس ثكنة دائمة في السّويداء. ونُفي 15 من قادة الثّورة إلى رودس، ومُنح الثّائرون الآخرون الّذين أعلنوا ولاءهم للسّلطان ولحكومة إبراهيم الأطرش العفوَ. إضافةً إلى ذلك، لم تتّخذ الحكومة المركزيّة إجراءات إصلاحيّة أكثر أهمّيّة من تلك الإجراءات حتّى وفاة إبراهيم عام 1893 م..

الثّورة العامّيّة الّتي اعتمدت على دعم الفلّاحين الدّروز، والّتي قادها الشّيوخ الّذين تحدّوا قيادة إبراهيم الأطرش، أرست سوابقَ عديدة هامّة. أوّلًا، للمرّة الأولى تشتبك القوّات العسكريّة العثمانيّة، على نطاق واسع، مع الدّروز في حوران؛ ثانيًا، طريقة إجلاء النُّخب من حوران إلى مناطق نائية من الإمبراطوريّة حدثت للمرّة الأولى بعد “العامّيّة”؛ والأهمّ من ذلك كلّه كان بناء ثكنة عثمانيّة للمرّة الأولى، ضمّت قوّات مشاة وبطّاريّة مدفعيّة في قلب الحُكم الدّرزيّ في جبل حوران، الأمر الّذي أدّى، في الحقيقة، إلى تآكل حُكم الدّروز الذّاتيّ، رغم النّجاح المؤقّت في عدم إنفاذ قوانين الضّريبة والتّجنيد في حوران. [4]

_____________________________________________

[1] Kais Firro, A History of the Druzes (Leiden: Brill, 1991).

[2] Max L. Gross, “Ottoman Rule in the Province of Damascus, 1860-1909” (Georgetown University, 1979).

[3] Birgit Schäbler, Aufstände Im Drusenbergland Ethnizität Und Integration Einer Ländlichen Gesellschaft Syriens Vom Osmanischen Reich Bis Zur Staatlichen Unabhängigkeit (Gotha: Perthes, 1996).

[4] Kais Firro, A History of the Druzes, 1991.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. Birgit Schäbler. Aufstände Im Drusenbergland Ethnizität Und Integration Einer Ländlichen Gesellschaft Syriens Vom Osmanischen Reich Bis Zur Staatlichen Unabhängigkeit. Gotha: Perthes, 1996.
  2. Firro, Kais. A History of the Druzes. Leiden: Brill, 1991.
  3. Gross, Max L. “Ottoman Rule in the Province of Damascus, 1860-1909.” Unpublished Dissertation, Georgetown University, 1979.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה