السّتّ نايفة جنبلاط

السّتّ نايفة بنت الشّيخ بشير بن قاسم بن عليّ بن رباح، شخصيّة موحّدة وأميرة لبنانيّة لامعة في التّاريخ، وُلدت عام 1810 م. في المختارة، وتولّت زعامة المنطقة بلا منازع، في القرن الميلاديّ التّاسع عشر، فبرزت بحكمتها ومروءتها وكرمها. كان والدها، الشّيخ بشير جنبلاط الملقَّب بـِ-“عمود السّماء” شيخَ مشايخ البلاد، ووالدتها هي السّتّ خولة ابنة الشّيخ خطّار جنبلاط، وقد تتلمذت ابنتها على يدها.  

تزوّجت السّتّ نايفة الشّيخَ أمين شمس، من أعيان لبنان وكبير البلاد الحاصبانيّة، وفي يوم زفافهما مرّ حصان العروس الأبيض من المختارة إلى حاصبيّا في أراضي والدها وأعمامها، وقيل في هذا المشهد:

“عروس من المختارة لَحاصبيّا        ما مرْقَت إلّا بأرض زوجْها وبَيّا”

وبعد حين رُزق الزّوجان بناتٍ ثلاث، وقد ترمّلت السّتّ نايفة في الثّلاثين من عمرها، ولم تتزوّج ثانيةً، فقامت على تربية بناتها وتولّت زعامة المنطقة؛ وكانت تتمتّع بالصّفات الّتي تؤهّلها لتكون زعيمة البلاد؛ إذ عُرفت بالشّجاعة والعدل والعفّة والحكمة والكرم والوقار، وكانت حاشيتها المرافقة لها في بعضٍ من مهامّها لا تقلّ عن عشرين من رجال الدّين المُعمَّمين.

اشتهرت السّتّ نايفة بالأعمال الخيريّة الكثيرة الّتي أنجزتها، فقد خصّصت جزءًا من أملاكها لمساعدة المحتاجين، وكانت، في أوقات الضّيق، تقيم مراكز لتوزيع المؤن على فقراء الحال من دون التّمييز بينهم، لا طائفيًّا ولا حزبيًّا. وصلت صدقاتها إلى جبل الدّروز، في سورية، فاحترمها أبناء الطّوائف كلّها وأجلّوها، وحظيت عند الحُكّام بمكانة رفيعة. أُطلق عليها لقب “السّتّ الحاتميّة”؛ لأنّها اعتادت الخروج متخفّيةً في اللّيالي قاصدة أولئك المحتاجين الّذين لم تكن تصل إليهم المساعدة العلنيّة، فلم تنسَ أحدًا، ولم تتوانى عن تقديم يد العون لأيّ كان. ومن أقوالها المأثورة في هذا: “إذا وجدتم عندي بعد وفاتي عشر ليرات فلا ترحموني”.

برزت السّتّ نايفة في أحداث “مذابح السّتّين” الّتي وقعت عام 1860 م. في حاصبيّا وقد كانت مركز تجمُّع النّصارى، آنذاك. أبدى النّصارى استعدادهم للحرب وانطلقوا في مظاهرات قتلوا خلالها أربعةً من الدّروز خارج حاصبيّا، فما كان من دروز المنطقة إلّا أن ثاروا فهاجموا حاصبيّا، عندها لجأ المُسلّحون إلى السّراي حيث شرعوا يُطلقون النّار على المهاجمين وأردوا منهم عددًا من القتلى، من بينهم زعيم إقليم البلّان، الشّيخ كنج أبو صالح، من قرية مجدل شمس في الجولان. وبعد أن دفنه الدّروز في قريته عادوا بنيّة الهجوم على السّراي، ولمّا دخلوها وجدوا العساكر الشّاهانيّة تذبح النّصارى، حينها سكنت جذوة القتال عند الدّروز لفظاظة المشهد، ولم يقاتلوا النّصارى، لكنّهم سارعوا بإعلام السّتّ نايفة جنبلاط بالأمر الجلل، وقتلوا الأمير سعد الدّين شهاب؛ لأنّه حرّض على الفتنة. أمّا السّتّ نايفة فهرعت إلى السّراي وأمرت العساكر بوقف الذّبح، وأخذت ورجالها تُنقذ من بقي على قيد الحياة من نساء وأطفال ورجال، ثمّ ذهبت بهم إلى منزلها حيث رعتهم بضعة أيّام، ومن ثمّ رافقتهم إلى المختارة، بناءً على أوامر أخيها، سعيد بِك، الّذي توّلى مهمّة توصيلهم إلى صيدا ومن ثمّ إلى بيروت سالمين.

تعاظَم نفوذ السّت نايفة بعد أحداث عام 1860 م.، فبات النّاس، من الطّوائف كلّها، يستشيرونها ويأخذون برأيها، ووصفوها بأنّها ملكة غير متوَّجة.

من أبرز إنجازاتها نذكر بناء خلوة مؤلّفة من جناحين فيهما أربع خلوات في البيّاضة الزّاهرة، في حاصبيّا، من مالها الخاصّ، وهي معروفة باسمها “خلوة السّتّ نايفة جنبلاط”، أو “خلوة السّتّ”، أسوةً ببقيّة الخلوات الّتي عُرفت بأسماء مُنشئيها وأوطانهم. وكانت هي السّيّدة الوحيدة الّتي سُمح لها ببناء خلوة في البيّاضة، غير إنّها لم تُقِم فيها، لكنّها وقفتها لأهالي جبل لبنان وأضافت لها عقارات كافية تُنفق على من يمكث في هذه الخلوات. وكان غالبيّة المشايخ الخلواتيّة في البيّاضة يئمّون منزلها يوم الجمعة لتلاوة الذّكر الحكيم، تكريمًا لها. وبعد وفاتها، رحمها الله، عام 1880 م. دُفنت في ضريح خاصّ قرب “خلوة السّتّ” في البيّاضة الشّريفة، إكرامًا لشخصها.

كتب وصيّتها الشّيخ المرحوم أبو حسين فندي شجاع بخطّ يده، وفي وصفها قال أمير البيان، الأمير شكيب أرسلان: “لقد زرتُ كثيرًا من الكبراء النّافذين والفصحاء فلم يعترني تأثير كبعض ما أثّرت فيَّ شخصيًّا هذه السّيّدة”. وكان الأمير قد التقاها في أواخر أيّامها.

وهكذا شكّلت السّتّ نايفة جنبلاط رمزًا من الرّموز النّسائيّة التّوحيديّة عبر تاريخ الطّائفة المعروفيّة؛ إذ حقّقت مكانةً دينيّة وسياسيّة واجتماعيّة بارزة ومؤثّرة في تاريخ هذه الطّائفة.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. أبو ترابي، جميل. من هم الموحّدون الدّروز؟. دمشق: دار علاء الدّين، 2003، ص. 32.
  2. زهر الدّين، صالح. تاريخ المسلمين الموحّدين الدّروز. بيروت: المركز العربيّ للأبحاث والتّوثيق، 1991، ص. 217.
  3. خليل الباشا، محمّد، “جنبلاط، نايفة بنت بشير بنت قاسم بن عليّ بن رباح”، معجم أعلام الدّروز، محمّد خليل الباشا (تحرير)، ج. 1 (1999)، ص. 399-402.
  4. شرّوف، سميحة إسماعيل. بيّاضة الموحّدين الدّروز؛ تاريخها وسيرة مشايخها. الشّويفات: مكتبة حرمون، 2014.
  5. العريضيّ، فرحان سعيد. مناقب الأعيان. عاليه: مدرسة الإشراق، ج. 3، د. ت.، ص. 271-276.
  6. أبو عزّ الدّين، نجلاء. الدّروز في التّاريخ. شفاعمرو-الرّامة: منشورات العرفان، د. ت.، ص. 318-319.
  7. ناطور، سميح. “جنبلاط، نايفة بنت بشير قاسم”. موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير)، ج. 2 (2011)، ص. 74-75.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה