الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي، رضي الله عنه، يُعدّ من أعلام الطّائفة المعروفيّة في القرن الميلاديّ العشرين. وُلد عام 1899 م. في بلدة الباروك، الواقعة في قلب قضاء الشّوف، حيث نشأ وترعرع في بيئة تقيّة واستثنائيّة صقلت شخصيّته الزّاهدة وجعلته نموذجًا للأخلاق والقيم السّامية. منذ نعومة أظفاره، أظهر الشّيخ عارف اهتمامًا ملحوظًا بالعلوم الرّوحانيّة والفكريّة، وكان يحرص على تعلُّم الخطّ تحت إشراف الخطيب. كما تميّز بصوته الشّجيّ في الأناشيد الدّينيّة، ما أضفى بُعدًا روحانيًّا خاصًّا على حضوره. كان معروفًا بكرم أخلاقه وزهده الشّديد، وبقي محاسبًا لنفسه طوال حياته، ما أكسبه مكانة مرموقة بين أجاويد الطّائفة وشخصيّاتها.
في عام 1933 م.، حين بلغ الشّيخ عارف الخامسة والثّلاثين من عمره، كانت حياته على موعد مع نقلة نوعيّة؛ إذ توّجَهُ الشّيخ أبو حسين محمود فرج بالعمامة المكلوسة، بحضور الشّيخ أبي حسيب أسعد الصّايغ، والد زوجته، رحمهما الله. هذا الحدث مثّل علامة فارقة في مسيرته الرّوحانيّة-الدّينيّة؛ إذ أصبح من أجاويد الطّائفة الحاملين لهذا الشّرف العظيم.
بعد وفاة الشّيخ حسيب أسعد الصّايغ، عام 1979 م.، أضحى الشّيخ عارف حلاوي الشّخصيّة الوحيدة في لبنان من أجاويد العمائم المكلوسة، متحمّلًا مسؤوليّة روحانيّة واجتماعيّة كبرى. بقي حتّى عام 1988 م. يمثّل هذا الإرث بشموخ، مؤكّدًا دوره بوصفه واحدًا من أعمدة الإرشاد الرّوحانيّ في المجتمع التّوحيديّ.
وفي الخامس من آذار عام 1988 م.، خطّ الشّيخ عارف صفحة جديدة في مسيرته القياديّة، حين ألبس العمامة المكلوسة لثلاثة من أبرز الشّخصيّات الدّينيّة: الشّيخ أبو حسيب أسعد الصّايغ، الشّيخ أبو محمّد صالح العنداريّ، والشّيخ أبو محمّد جواد وليّ الدّين، رحمهم الله جميعًا. هذا الحدث لم يكن مجرّد تقليد طقسيّ، لكنّه كان تجسيدًا لاستمراريّة الحكمة والمعرفة داخل الطّائفة المعروفيّة.
لقد ترك الشّيخ عارف حلاوي بصمة عميقة في ذاكرة الطّائفة الجماعيّة، فمسيرته لم تقتصر على القيادة الرّوحانيّة فحسب، بل شملت تعزيز القيم والمبادئ الّتي تشكّل جوهر التّراث التّوحيديّ. إرثه لم يزل حاضرًا في القلوب والعقول، حافزًا للأجيال القادمة لاستقاء الحكمة من تاريخه.
حظي الشّيخ الرّاحل بمكانة مميّزة في قلوب أبناء طائفته، وشكّل برمزيّاته الدّينيّة والإنسانيّة قدوة يُحتذى بها. عند وفاته، قال الشّيخ جبر معدّي: “الطّائفة الموحّدة تخسر رجُلًا فذًّا وشخصيّة مرموقة وعلمًا دينيًّا، من أكابر الأعلام. لقد قابلت المرحوم، وتعرّفت عليه، ولا زلت أذكر فيه طيب قلبه وحسن معشره، وكلماته الدّافئة وتوجيهاته الحكيمة، ومعاملته اللّطيفة لكلّ من كان حوله. المرحوم الشيخ أبو حسن عارف، ينضمّ بعد رجوعه إلى جوار ربه، إلى قائمة نبيلة ومبجّلة من الشّخصيّات الدّينيّة المرموقة”.
في السّادس والعشرين من تشرين ثانٍ عام 2003 م.، عن عمر ناهز الـ- 104 أعوام، وبعد صراع مع المرض، انتقل الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي إلى جوار ربّه. ودُفن في بيته، في مسقط رأسه، الباروك، في جنازة حاشدة حضرها الآلاف، معبّرين عن حزنهم العميق لرحيل هذه الشّخصيّة العظيمة. ولتكريم ذِكراه، أُنشئت مؤسّسة خيريّة تحمل اسمه: “مؤسّسة المرحوم سيّدنا الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي الخيريّة”، وهي تسعى إلى نشر القيم الّتي جسّدها الشّيخ الرّاحل. كما ألّف الشّاعر الزّجليّ طليع حمدان قصيدة رثاء مؤثّرة تخليدًا لذكراه الطّاهرة.
وتبقى قصيدة الرّثاء شاهدًا على محبّة النّاس وتقديرهم لهذا الرّمز الدّينيّ والإنسانيّ الكبير، الّذي يظلّ اسمه محفورًا في ذاكرة الطّائفة وأجيالها القادمة:
يا ملاك الأبيض النعسان مدري نعس مدري غفا غفيان
عمخدتك لاقوك خمس ملوك ألوانهم من أطهر الألوان
الأخضر يقلّك للأبد مبروك الأحمر يهنّي الأصفر الديّان
وابيض نقي لبّستلك الباروك وتيخيّم الأزرق على الأبيض
لبستلك الأزرق سما لبنان
***
وصار النّبع يا طاهر السمعة مثل المضوا بمأتمك شمعة
ويقول بلكي “أبو حسن عارف” عميحلم علينا بها الجمعة
وحتى ما يزعج ظلك الوارف قّلل النغمي وكثر الدمعة
وصفّي كأنو بالصّلا عارف يتمتم ويقرا الدور بين الحور
ويبكي عليك بليلة الجمعة
***
يا ريتني بخيال شمعاتك شمعة تافني عتراباتك
بلكي عالهتات الشموع وعيت معهن يصير بشم لهتاتك
بتكون يا سيدي عليّي رضيت لولا فني ذاتي على ذاتك
ومنّي وصية لو عليك فنيت يخلي من شفافي القدر رشفي
تا ضل فيها بوّس دياتك
***
الله عطاك من الزهور شفاف وطهرو عطاك من الندي عينين
فيها النظر الا الطهر ما شاف وبس الكتاب لمست بالايدين
ايديك زنبقتين من نفناف ودقنك صبح والفرق واضح بين
صبح الطبيعة وصبحك الشّفاف بيوعى الصباح بزنبقة وحدي
وصبحك بيوعى بين زنبقتين
***
فغي يوم كبيرتزورك رحت بكير وكان قدّامي تحدي كبير
قلتلّك دعيلي وقلتلّي إنشالله بتتوفق يا ابني كثير
وعطيتني من ايديك الفلّي زر وردة ورحت للتصوير
بلّشت غني وبلش يصلي ويرقي الي تا كون متجلّي
وكان الوحي من زر ورد زغير
***
زر الي قلبي ما كان يروح وعامل من وراق الحمر تمّو
وتحت الحمر ما كان يلوح لابس وراق الخضر هما كمّو
مطرح ما حملّتو صلاتك روح تا يضل عطرو طظفل مع امّو
صار العطر منو بعد ما يفوح تا يشم روحك حول زر الورد
يرجع لعند الزر ويشمّو
سنتين ضل بمنظرو الخلاب تا هرت وراقو غصب عنّي
خبّيت منو العرق والأحباب وراقو تايبقو متل ما هنّي
عملتن حجاب الطّهر فيهن داب من لمستك يا ساكن الجنّي
ردّيت عنّي بزر عنّي غاب وبترد عنّي لو حملتو حجاب
والله لا يبعد رحمتك عنّي
***
حجابك معي لا تفكر بينساك اصلو زهر من مسكبة نساك
لا مزهرية شايفي متلو ولا سهر سهره على شباك
ايدي بيوم الدفن شدّتلو قالتلو مات سيدي” بو حسن عارف”
واليوم يتّمنا أنا وياك
يا ميتم بقلبي العطش والجوع طعمني رضاك وحبك سقيني
الباروك فيها من التُقي ينبوع تحت التلج سرّو بيدفيني
الباروك فيها من الاله فروع بيناتهن عالقبر خليني
ضوّي على حجارو دموعي شموع بلكي بيشّو هالحجارة دموع
ودمعي بيرجع ليكي يهديني
للاستزادة والتّوسُّع:
- القنطار، سلطان. العارف بالله، الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي، سيرة حياته. د. م. د. ن: 2018.
- ناطور، سميح. العمامة المكوّرة – تاريخها وسير معتمريها. 2007. على الرّابط: https://al-amama.net/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D8%A8%D9%88-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%81-%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%8A/