الشّيخ المرحوم أبو سليمان حسيب الحلبيّ؛ كان مرجعًا روحانيًّا كبيرًا وواحدًا من أعيان الطّائفة المعروفيّة الأجلّاء. عُرف بورعه وتُقاه وإخلاصه العميق في الإيمان والعبوديّة، فكان مثالًا يُحتذى به في الصّبر، والفضل، وطيب الكلمة. خدم سنوات طويلة في خلوات القطالب الشّهيرة؛ إذ كرّس حياته لخدمة الدّين والمجتمع، تاركًا أثرًا عميقًا في نفوس من عرفوه.
وُلد الشّيخ أبو سليمان حسيب الحلبيّ في بلدة بطمة-الشّوف، في العشرين من شهر آب عام 1922 م.. نشأ في أُسرة جمعت بين والد غير متديّن ووالدة متديّنة. بدأت ميوله الدّينيّة تظهر جليًّا وهو في السّابعة عشرة من عمره، ولمّا بلغ التّاسعة عشرة، توجّه إلى الشّيخ الدّيّان أبي يوسف سليم البيطار، طالبًا الدّين.
حياته ومسلكه
في بداية حياته، عاش الشّيخ أبو سليمان حياة بسيطة مليئة بالتّحدّيات. وُلد في أُسرة متواضعة، وكان الفقر رفيقًا له في سنوات شبابه. تحمّل المسؤوليّة مبكرًا تُجاه إخوته، فكان يُعيلهم بنفسه ليجنّبهم الاعتماد على مال والده، المال الّذي قد يكون فيه شبهة، بسبب بُعد والده عن التّديّن. عمل بجدّ وكدّ، صابرًا على التّعب ومحتسبًا أجره عند الله، وحامدًا ربّه على نعمه الكثيرة، مؤمنًا أنّ لقمة العيش الحلال هي أساس البركة والطُّمأنينة.
تزوّج الشّيخ حسيب من الشّيخة الجليلة سميّة منذر (ت. 2014 م.)، وهي شقيقة الشّيخ سلمان منذر المعروف بحرصه على الدّين وفضائله. جمعت بين الشّيخ حسيب وزوجته علاقة تقوم على الإيمان الصّادق والتّكامل الرّوحانيّ. وقد رزقهما الله ولدًا وحيدًا، أسمياه سليمان، فكان محور حياتهما وأملهما في استمرار رسالة العائلة الرّوحانيّة والإنسانيّة.
في سنّ الخامسة والثّلاثين تزيّن الشّيخ حسيب الحلبيّ بالكمال، فأطلق لحيته بمباركة الشّيخ المرحوم أبي يوسف حسين عبد الوهّاب[1]. وفي عام 2014 م. تقلّد العمامة المكوّرة (المكلوسة) على يد الشّيخ أبي سليمان حسيب الصّايغ.
اهتمّ الشّيخ حسيب الحلبيّ اهتمامًا بالغًا بوَحدة الطّائفة، فعمل جنبًا إلى جنب مع الشّيخَين أبي صالح محمّد العنداريّ وأبي سليمان حسيب الصّايغ، رحمهم الله جميعًا، لتعزيز التّآخي والتّلاحم بين أبناء الطّائفة. عُرف الشّيخ حسيب بمحبّته الكبيرة لإخوانه في الله؛ إذ كان يجبر خاطر الكبير والصّغير، ويسعى إلى إرضاء الجميع بلطفه وسعة صدره. تميّز بصفاته السّامية الّتي جعلته محطّ احترام وتقدير. كان كثير الصّمت، مغمورًا بالرّضا والتّواضع، مخلصًا في نصيحته، زاهدًا في الدّنيا، مبتعدًا عن الغيبة والنّميمة، مما جعله نموذجًا يحتذى به في الأخلاق الدّينيّة والاجتماعيّة.
في ثمانينيّات القرن الماضي، زار الشّيخ حسيب قرية دالية الكرمل، وحلّ ضيفًا على شيخَين من ذوي قرباه، من آل الحلبيّ، هُما الشّيخ أبو محمّد حسين عزّام حلبيّ والشّيخ أبو محمّد عليّ حلبيّ. أطلقا عليه لقب “الشّيخ السّاكت”؛ إذ عُرف بقلّة كلامه وعدم تحدّثه إلّا عند الضّرورة، ليكون صمته انعكاسًا لحكمته ورزانته، تاركًا أثرًا بالغًا في نفوس من عرفوه أو جلسوا معه.
انتقل إلى جوار ربّه في الثّاني من كانون أوّل عام 2016 م.، وقد ناهز عمره الخامسة والتّسعين، وفي اليوم التّالي أقيم له موقف تأبينيّ مهيب في مسقط رأسه، بطمة-الشّوف، باشتراك الآلاف من أبناء الطّائفة المعروفيّة من لبنان وسورية. حضر جنازته القائد وليد جنبلاط فكان على رأس وفد ضمّ نجله، تيمور، وعددًا من الوزراء، وكذلك أكرم مشرفيّة ممثّلًا النّائب طلال أرسلان. كما اشترك في تشييع الجثمان الطّاهر شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز سابقًا، الشّيخ نعيم حسن، والمرحوم الشّيخ أبو سليمان حسيب الصّايغ، وهو واحد من أركان الهيئة الرّوحيّة، إلى جانب حشد من مشايخ الطّائفة وأعيانها، وشخصيّات عسكريّة وقضائيّة، ومواطنين من مختلف المناطق، إضافةً الى وفد كبير من جبل العرب، في سورية، ووفد من مؤسّسة العرفان التّوحيديّة.
تخلّلت مراسم التّشييع كلمة لرئيس اللّجنة الثّقافيّة في المجلس المذهبيّ آنذاك، الشّيخ سامي أبي المنى، الرّئيس الرّوحي لطائفة الموحّدين الدّروز في لبنان حاليًّا، وكلمة لرئيس بلديّة بطمة، خالد زين الدّين، الّتي ألقاها بِاسم البلدة وأهل الشّيخ الرّاحل. ثمّ قدّم شيخ العقل، في حينه، نعيم حسن، شهادةً في المرحوم قال فيها: “كان من صفاته استشعاره لله وشغله بالله، حُسن سلفه وطول صمته، رحمة الله عليه، إنّه من أولياء الموحدين”. وبالتّزامن مع التّشييع أُقيم تأبين في الجولان والجليل وبلدة قنوات في سورية.
____________________________________________
[1] ضريحه المبارك موجود في قرية الغارية وهي من قرى محافظة السّويداء، في سورية.
***
للاستزادة والتّوسُّع:
- أبو ذياب، غسان. “المرحوم الشّيخ أبو سليمان حسيب الحلبيّ”، العمامة 165 (أيلول 2023).
- جنازة المرحوم الشّيخ أبي سليمان حسيب الحلبيّ في “يوتيوب”: