الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ

الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ

الشّيخ قسّام الحنّاويّ، أبو عليّ (1815-1884 م.)؛ من أبرز الشّخصيّات الدّينيّة والاجتماعيّة في جبل العرب، خلال القرن الميلاديّ التّاسع عشر، جمع بين الحكمة والقيادة والصّلابة والشّجاعة الوطنيّة، وكان له دور بارز في الدّفاع عن أرض الجبل ومواجهة القوى الاستعماريّة الّتي حاولت بسط سيطرتها عليه. تميّز بمكانته الدّينيّة المرموقة وشجاعته في ساحات القتال، إلى جانب براعته في التّفاوض وحلّ النّزاعات، حتّى بات واحدًا من أعمدة القيادة المعروفيّة-الدّرزيّة في عصره.

وُلد الشّيخ قسّام الحنّاويّ في بلدة عتيل التّابعة لمحافظة السّويداء، عام 1815 م.، ونشأ في كنف والده، شبلي الحنّاويّ، الّذي نزح من كفرقوق في جبل لبنان، عام 1811 م.، حتّى وفاته عام 1832 م.، وله من الأشقّاء عمّار وقرنفلة. بعد وفاة الوالد، انتقلت الأُسرة إلى صلخد للعيش في جوار قريبهم، أحمد صلاح الحنّاويّ. وهناك، تزوّج الشّيخ قسّام ابنة الشّيخ أحمد الحنّاويّ، ورُزق منها ثلاثة أبناء: عليّ وسلمان وخطّار، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى القريّا، ومن ثمّ إلى سهوة بلاطة.

مكانته الدّينيّة والاجتماعيّة

مع علوّ مكانته في المجتمع، عُيّن الشّيخ قسّام الحنّاويّ شيخ عقل بين أربعة مشايخ عقل في جبل الدّروز، عام 1840 م.، إلى جانب كلٍّ من الشّيخ حسين الهجريّ (قنوات)، والشّيخ أحمد جربوع (السّويداء)، والشّيخ شهاب أبو فخر (كفر اللّحف)، وذلك بعد وفاة الشّيخ إبراهيم الهجريّ.
اضطلع هذا المجلس الدّينيّ بدورٍ محوريّ في فضّ النّزاعات المحلّيّة، سيّما في ظلّ غياب المحاكم الرّسميّة في تلك الفترة. وكان الشّيخ قسّام يتمتّع بمنطق سليم، ومعرفة عميقة بالقوانين العشائريّة والتّقاليد المتوارثة، ليجعله ذلك مفاوضًا بارعًا في القضايا السّياسيّة والاجتماعيّة.[1]

إلى جانب مكانته الدّينيّة، عُرف الشّيخ قسّام الحنّاويّ بشجاعته وإقدامه في ساحات القتال؛ إذ برز بين قادة ثورات جبل العرب ضدّ القوى الاستعماريّة المختلفة. وقد شهدت حياته مرحلتَين أساسيّتين من المواجهات العسكريّة: أوّلهما، مقاومة حملات إبراهيم باشا المصريّ (1830-1840 م.)، حينها اشترك الشّيخ قسّام الحنّاويّ في مقاومة الاحتلال المصريّ، بقيادة إبراهيم باشا بن محمّد عليّ الّذي حاول فرض سيطرته على المنطقة، فكان له دور بارز في ثورة أهالي جبل حوران ضدّ المظالم الّتي فرضها الاحتلال، وخاض معارك شرسة أسهمت في دحر القوّات الغازية. أمّا المرحلة الثّانية، فتمثّلت في التّصدّي للحملات العثمانيّة (1852-1884 م.)، فمع عودة العثمانيّين إلى المنطقة، استمرّت المقاومة بقيادة مشايخ الجبل، وكان الشّيخ قسّام الحنّاويّ على رأس أبرز القادة الّذين خاضوا مواجهات ضارية ضدّ العثمانيّين؛ إذ تصدّى للغزوات الّتي هدفت إلى قمع الجبل وإخضاعه، متمسّكًا بمبادئه الرّاسخة في الدّفاع عن الأرض والكرامة. وكان له دور حاسم في عدّة معارك بارزة، من بينها حملة شريف باشا (1837 م.) الّتي واجه فيها الثّوّارُ الدّروزُ قوّاتِ العثمانيّين ببسالة، وحملة محمّد باشا (1838 م.) الّتي قادها محمّد باشا بنفسه، واشتركت فيها قوّات عثمانيّة كبيرة، إلّا أنّ الدّروز تمكّنوا من دحرها في “معركة غزوة” و-“معركة صميد”، حين قُتل محمّد باشا نفسه إلى جانب أربعة قادة برتبة لواء و-16 من قادة الأفواج والكتائب، بالإضافة إلى 15 ألف جنديّ عثمانيّ. كما شهد عام 1838 م. غزوة محمّد بن سمير، الّتي تميّزت بتحالف استراتيجيّ بين أهالي جبل العرب وعشائر عجلون والسّلط، في مواجهة التّمدّد العثمانيّ، الأمر الّذي أسهم في تعزيز قوّة المقاومة.

لقد اقترن اسم الشّيخ قسّام الحناوي بموقف بطوليّ دوّنه التّاريخ، حين سدّ فوهة المدفع بعمامته، خلال واحدة من المعارك الّتي خاضها الدّروز ضدّ الجيش العثمانيّ. ووَفقًا للرّوايات المتداولة، فقد نشبت مواجهة بين مفرزة عثمانيّة كبيرة ومجموعة من الثّوّار الدّروز، كان بينهم الشّيخ قسّام ورفيقه الشّيخ محمّد أبو عسّاف المعروف بلقبه “القميزي”. وفي أثناء المعركة، كان مدفع عثمانيّ يشكّل خطرًا كبيرًا على المقاتلين الدّروز، ما دفع الشّيخ محمّد أبو عسّاف إلى الهجوم على قائد المدفع والقضاء عليه، بينما اندفع الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ نحو فوّهة المدفع، وسدّها بعمامته في حركة جريئة ومفاجئة. ولعلّ هذا النّصّ الأدبيّ التّصويريّ الملحميّ يفي المشهد حقّه:

علا غبار المعركة حتّى حجَب الشّمس، وامتزج صليل السُّيوف بأزيز الطّلقات، فبدت الأرض كأنّها تزمجر تحت سَنابِك الخيل، بينما الشُّهداء يتساقطون كالنّخيل في مهبّ الرّيح. على تُخوم جبل العرب، كانت العمائم البيضاء تلوح وسط الدُّخان المتصاعد، والمشايخ شامخون كالجبال، يسندون الأرض بأقدامهم، ويحرسون التّاريخ بحدّ السّيف ووهج الإيمان.

في خضمّ المشهد الرّهيب، كان المدفع العثمانيّ يرعد في قلب المعركة، ينفث لهيبَه نحو صدور الثّوّار، يمزّق الصّفوف ويثلم تماسكَها. رأى الشّيخ محمّد أبو عسّاف “القميزي” المشهد بعينَي صقر لا يُخطئ انقضاضَه، فاندفع بين العساكر كأنّه الرّيح نفسها، يشقّ صفوفهم بسيفه المسلول، وفي لحظة خاطفة، هوى على قائد المدفع بضربة قطعت الصّوتَ قبل العُنق، فتدحرج العثمانيّ مثل دمية فارغة، وسقط سلاحه مترنّحًا على الأرض، صامتًا للحظة، قبل أن تمزّق الفرقعة السّكون. لم يسكت المدفع، كأنّ شيطان الحرب تلبّسه. راح الجنديّ العثمانيّ المذعور يُشعل فتيل القذيفة التّالية، والنّيران تبرق بين يديه قبَسًا من الجحيم. عندها، اندفع الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ وعمامتُه ترفرف رايةَ عزّ، وصدرُه يشتعل بركانًا قرّر أن يثور على الموت نفسه. وثَب إلى فوهة المدفع بجرأة تعجز الكلمات عن وصفها، وفي لحظة جنونيّة، خلع عمامته وألقاها في جوف المدفع، فاختنق الوحش الحديديّ. صرخ الجنود، ارتجفت أياديهم، نظر بعضُهم إلى بعضهم بعيون امتلأت بالرّعب والذّهول، قبل أن تَخُور عزائمُهم، وولّوا الأدبار كأنّ صيحة القدر هوت عليهم.

توقّف الزّمان للحظة… ثمّ انفجرت أصوات المجاهدين: “الله أكبر”! كان النّصر يتطاير في الأفق، والأرض تكتب بدمائها قصّة البطولة، فيما وقف الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ وسط العاصفة، ثيابه مضرّجة بالغبار، وعيناه تلتمعانِ بكبرياءِ مَن يكتبُ التّاريخَ بسيفه، لا بحِبرِ المؤرّخين. في تلك اللّحظات، كانت أبيات ملحميّة تُنشد نفسها بنفسها:

إن كنتَ للنّارِ شهمًا فادخلِ الوَغَى               فالموتُ حتمٌ إن يكنْ أو لم يكنِ

قد جئتَ تَحْرِقُ أرضَنا بمدافِعٍ                     فَأَطْفَأْنَاكَ بحدِّ السّيفِ وَالْمِنَنِ

وحين عاد المشايخ من ساحة المعركة، حمل الجبلُ في اسوداد صخوره سناءَ البطولة، وكانت العمائم المضرّجة بالمجد والغبار أوسمةً على جباه أبطالها.

تأثيره في الثّورة السّوريّة الكبرى (1925 م.)

استمرّ تأثير الشّيخ قسّام الحنّاويّ حتّى بعد وفاته؛ إذ ظلّ نهجه الثّوريّ والإصلاحيّ حاضرًا في وجدان أبناء جبل العرب. وقد تكرّر هذا النّهج عام 1925 م.، لمّا قاد شيخ العقل أبو هاني عليّ الحنّاويّ حركة مقاومة ضدّ الفرنسيّين، معلنًا وقوف الجبل إلى جانب القائد سلطان باشا الأطرش، وأكّد قائلًا: “باشا، الفرنسيّون لا يفهمون إلّا لغة السّيوف والبنادق. كلّ الجبل معك يا باشا!”.

وفاته

في عام 1884 م.، انتقل الشّيخ أبو عليّ قسّام الحنّاويّ إلى جوار ربّه، بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالنّضال والإصلاح والقيادة. وقد بقيت سيرته العطرة رمزًا للوطنيّة والشّهامة، حتّى وصفه المؤرّخون بأنّه “القائد الفذّ الّذي اجتمعت فيه الحكمة والوقار والشّجاعة”. وفوق هذا وذاك، كان الشّيخ قسّام الحنّاويّ معروفًا بعدله الاجتماعيّ، ويُقال إنّه وزّع جزءًا من أملاكه على الفقراء، واكتفى بما يضمن له حياة كريمة، ليعزّز فعله هذا مكانته في قلوب النّاس، ويكسبه احترامًا كبيرًا بين أبناء مجتمعه حتّى بعد رحيله، رحمه الله.

___________________________________

[1] البعيني، جبل العرب، ص. 110.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. البعيني، حسن أمين. جبل العرب: صفحات من تاريخ بني معروف (1685-1967). بيروت: منشورات عويدات، 1985.
  2. الصّغير، سعيد. بنو معروف في التّاريخ. القريّة: منشورات دار زين الدّين، 1984.
  3. أبو عزّ الدّين، سليمان. إبراهيم باشا في سورية. بيروت: د. ن.، 1929.
  4. ناطور، سميح. ” حنّاويّ، أبو عليّ قسّام”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 2، 2011، ص. 180.
  5. النّجم، زيد سلمان. أبو عليّ قسّام الحنّاويّ: شيخ مجاهد وبطل قائد. دمشق: دار العرّاب، 2013.

 

 

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה