الشّيخ حسين العابد، رضي الله عنه

الشّيخ حسين العابد، رضي الله عنه

الشّيخ حسين عليّ أحمد حلبيّ، المعروف بلقب “الشّيخ العابد”؛ وُلد عام 1902 م.، في قرية دالية الكرمل، لوالدَين مرحومَين متديّنَين، عمِلا طوال حياتهما في الزّراعة وتربية المواشي والدّواجن، على منوال بقيّة أبناء قريتهما في ذلك الوقت. والده المرحوم الشّيخ أبو حسين عليّ، ووالدته السّتّ غرّة. والشّيخ حسين أكبر إخوته الثلاثة: كامل، نايف وأحمد، ولديه أخت وحيدة؛ نايفة.

الشّيخ حسين عليّ أحمد حلبيّ، رحمه الله

شبّ الشّيخ حسين وترعرع في بيت أسرته وبين المشايخ من ذوي القربى على القيم التّوحيديّة، فكان ينصت لرجال الدّين خلال أدائهم الصّلوات وينظر إليهم كأنّه واحد منهم. وحين بلغ سنّ الرّشد بنى لنفسه صومعة بعيدة عن القرية، ومكث فيها يتعبّد ويراجع النّصوص الدّينيّة. خصّص وقته كلّه للعبادة المتواصلة، وكان “يأكل ممّا يجنيه من أرضه بتعب وعرق جبينه، يأكل مرّة واحدة في اليوم، يخبز بيده على الصّاج ويأكل فتات الخبز، أمّا ما كانت تُنتج أرضه من فاكهة فكان يقدّمها إلى الزّوّار الّذين يتوافدون إليه للتّبرّك من التّقرّب إليه وسماع وعظه ولباقة حديثه.”[1] كما عزف الشّيخ حسين عن الزّواج متخلّيًا عن النّسل، واعتنى بوالدته حتّى وافتها المنيّة، فكانًا بارًّا بها. لم يسأل عن الدّنيا ولم يهمّه أمرها ولم يلتفت إلى ما فيها، وترك حقّه في ميراث والده ليمنحه لإخوته من دون مقابل.

مكانته الدّينيّة

لعلّ لقب “الشّيخ العابد” الّذي تلقّب به الشّيخ حسين الحلبيّ خير دليل على المكانة الدّينيّة الرّاقية الّتي بلغها؛ إذ يُروى عنه أنّه “كان كلّ مَن يزوره يراه في إحدى زوايا الصّومعة أو بجوارها مُكِبًّا مواظبًا على درس عِلم التّوحيد، قائمًا بواجبه في العبادة والزّهد، محبًّا للدّين وأهله في سرّه وعلنه. ثمّ قرّر أن ينقطع في خلوته عن مخالطة النّاس، ناسكًا خاشعًا ليل نهار، سالكًا مسالك الزّاهدين، حتّى أصبح من العُبّاد المتصوّفين، وما كاد يستقرّ في صومعته حتّى أصبحت الحكمة مأكله ومشربه، فيها غذاء جسمه وروحه ونفسه. وقد جدّ في تهذيب أخلاقه من ينابيع الحكمة الشّريفة لأنّها هبة الله سبحانه وتعالى إلى كافة المؤمنين والموحّدين. فصدقهم وطاعتهم وأخلاقهم وخشوعهم وروحانيّاتهم خير كفيل وضمان لتقرّبهم من الباري تعالى ودخول جنة النّعيم. وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى بمنّته ورحمته على الّذين ساروا على طريق الخير وعمل الخير وقضوا ليلهم ونهارهم في التّضرّع إلى الله سبحانه وتعالى للتّقرّب منه والبُعد عن ملاهي الدّنيا الفانية. فكانت منزلة المرحوم الشّيخ العابد منهم”.[2]

زُهده وتقشّفه

قضى الشّيخ حسين أيّامه في التّقشّف والتّزهّد والخلوة في عبادة الله، يأكل القليل ويشرب القليل، وكان يقتات ممّا زرعه في بستانه بعرق جبينه، ويشرب من بئر كان قد حفرها بيدَيه الكريمتَين. اعتاد الاعتناء بقفائر نحله فيجني قوته من خير عسلها، وأصبحت النّحلات تعيش في زاوية شبّاك خلوته عدّة سنوات حتّى بعد وفاته. كما اعتاد الموحّدون، المتديّنون منهم وغير المتديّنين، التّردّد على صومعته للتّقرّب منه في الله والاستنارة من معرفته وعلمه وإيمانه، وكان يستقبل المتديّنين يوميًّا، ويلقّنهم أصول الدّين، ويعمل على إكسابهم الحقائق التّوحيديّة العميقة.

وصفه الشّيخ أبو عليّ حسين حلبيّ بأنّه ظاهره دينيّة تقشّفيّة صوفيّة، فقال: “لم تشهد بلادنا ظاهرة  دينيّة تقشّفيّة صوفيّة، منذ عهد الشّيخ عليّ الفارس (ر)، مثل ظاهرة الشّيخ حسين العابد (ر)، والّذي كان حتّى في حياته يعتبر قدوة ونموذجًا لرجُل الدّين الّذي آمن أنّ الإنسان يكون سعيدًا مقبولًا على الله سبحانه وتعالى إن هو استغنى عن ملذّات الحياة ومتاع الدّنيا، وتفرّغ للعبادة ولتحصيل قوت يومه بعرق جبينه من أرضه وبستانه، وعزف عن الاقتران بزوجة، وعن بناء أُسرة، وكرّس كلّ وقته وجهده من أجل التّعبّد والصّلاة والتّقرّب من الله سبحانه وتعالى، مثله مثل كبار الصّوفيّين الاتقياء الّذين ظهروا في مسيرة التّوحيد عبر السّنين”.[3]  

وحين بدأ البناء في التّوسّع ووصل إلى محيط صومعته القريب بنى الشّيخ حسين خلوة في أرضه لكي يهوّن على أتباع الدّين، رجالًا ونساءً، أداء واجبهم في خلوة تكون قريبة من منازلهم، كونهم بعيدون عن الخلوات في القرية. وأوصى بأن تكون الخلوة والأرض المحاذية لها وقفًا تابعًا لأوقاف الطّائفة الدّرزيّة، ولم تزل خلوته عامرة حتّى يومنا هذا، يقصدها المُصلّون في الأوقات المحدّدة للعبادة.

الكثير من الرّوايات المتناقَلة تؤكّد أنّ عدّة أشخاص رأوا هالة من نور كانت تحيط الشّيخ أينما ذهب، خاصّةً في اليوم الّذي توفّى الله أخاه فيه، وكذلك في اليوم الّذي فارق والده الحياة أيضًا، فلمّا كان الرّجال متوجّهين نحو المقبرة شوهد ضوء ينبعث من الشّيخ حسين دون غيره من الرّجال.

ظلّ الشّيخ العابد ماكثًا في صومعته حتّى وافته المنيّة يوم الجمعة الثّالث عشر من تشرين أوّل عام 1978 م.، وكان يوم مأتمه مميّزًا، قلّ أن رأت مثله قرية دالية الكرمل والطّائفة المعروفيّة في إسرائيل؛ إذ تهافتت على قرية دالية الكرمل جموع من المشايخ والشّبّان والشّابّات، ونقلًا عن الرّواية شوهد الكثير منهم حين جاءوا، من الدّالية وعسفيا، لتشييع الجثمان الطّاهر حُفاة الأقدام ليكسبوا أجرًا، كما قدِم الرّجال والشّبّان وحتّى التّلاميذ من هضبة الجولان والجليل والقرى الدّرزيّة كافّةً للاشتراك في يوم الوداع، وكان في مقدّمتهم فضيلة الشّيخ المرحوم أبو يوسف أمين طريف، الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة في حينه، رضي الله عنه.

[1] ناطور، سميح. “حلبي، حسين عليّ أحمد (الشّيخ حسين العابد)”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 2، 2011، ص. 141.

[2] عن “كتاب المرحوم الشّيخ حسين العابد” في موقع العمامة.

[3] سميح ناطور، “كتاب الشّيخ العابد”، العمامة 148 (2019)، 16.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. حلبي، معين. الشّيخ العابد (ر). دالية الكرمل: آسيا، 2019.
  2. سميح ناطور، “كتاب الشّيخ العابد”، العمامة 148 (2019)، 16.
  3. ناطور، سميح. “حلبي، حسين عليّ أحمد (الشّيخ حسين العابد)”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 2، 2011، ص. 141.
  4. موقع مجلّة العمامة.
  5. موقع الكرمل والشّمال “פורטל הכרמל והצפון“.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה