الشّيخ خليل طافش، رضي الله عنه، هو ابن الشّيخ صالح طافش والسّتّ عفيفة الّتي لا نعرف إلى أيّ عائلة كانت تنتمي. أخوه الأكبر هو الشّيخ سلمان طافش الّذي رعاه بعد وفاة والديهما وبقي له نبراسًا يهتدي بتعاليمه وإرشاداته. استطاع أبوه، الشّيخ صالح طافش، في حياته، أن يعلّم ولديه أسس القراءة والكتابة بكدّه وعمله الدّؤوب.
وُلد الشّيخ خليل طافش في قرية كفر سميع، في الجليل الأعلى، عام 1831 م.، وفارق الحياة عام 1911 م.، وكان قد بلغ من العمر ثمانين عامًا تقريبًا. عاش طيلة حياته في بيت جعَل الدّين وعبادة الخالق هدفه الأوّل والأخير، فترعرع على محبّة الدّين ورجال الدّين الأتقياء.
ليس هناك دليل قاطع على أصل عائلة طافش الّتي تسكن قريتَي كفر سميع وبيت جنّ، والمعروف لنا هو ما وصلنا عن لسان شيوخ أتقياء في روايتَيْن: الأولى، تقول إنّ المرحوم الشّيخ خليل طافش قدِم من بلدة عمّاطور الشّوفيّة إلى بلدة شْوَيّا في قضاء حاصبيّا، جنوب لبنان، وانتقل منها إلى قرية كفر سميع واستقرّ فيها؛ والثّانية، تقول إنّ المرحوم الشّيخ صالح طافش، والد المرحوم الشّيخ خليل طافش، قدِم من بلدة أمّ الرّمّان، في جبل الدّروز، واستوطن بلدة كفر سميع، وهناك تزوّج امرأة تُدعى عفيفة وأنجب منها ولدين هُما الشّيخ سلمان والشّيخ خليل.
بدأ الشّيخ خليل يتعمّق في أصول الدّين أكثر ممّن سبقوه أو عاصروه، وذاع صيته الطّيّب، وأصبح مرجعًا للأمور الدّينيّة والدّنيويّة، فبدأ نجمه يسطع وقدره يعلو بين إخوانه، وصار رجال الدّين، من قريته ومن خارجها، يفِدون إليه، دروزًا ومسلمين ومسيحيّين، حتّى أصبح مرجعًا لرجال الدّين على مختلف طوائفهم، يجتمعون عنده ويصلّون لديه ويتباركون بصحبته.
قضى الشّيخ خليل وقته بين مساعدة أخيه في الزّراعة والفلاحة، من جهة، ومجالسته برفقة كتاب الدّين في القراءة والشّرح، من جهة أُخرى. وهو لم يعتزم الزّواج في بداية حياته، أمّا أخوه، الشّيخ سلمان، فتزوّج ورُزق صبيًّا وابنتين، وبعد أن توفّاه الله في سنّ مبكرة تاركًا وراءه زوجته وأولاده بلا مُعيل، توجّه المشايخ ورجال الدّين إليه بأن يتّخذ أرملة أخيه زوجةً له، فيرعاها ويرعى صغارها، وكان الشّيخ خليل، حينها، يعيش مع عائلة أخيه في بيت واحد، فكان طلب المشايخ إليه تماشيًا مع الشّرع والأعراف. قبل الشّيخ خليل طلب رجال الدّين وتزوّج أرملة أخيه، فأنجبت له صبيًّا توفّي صغير السّنّ، وابنتين هُما السّتّ أمّ نسيب فاطمة وشقيقتها تميمة، وهكذا أصبح يعيش في بيته مع زوجته وأربع بنات وابن واحد، فعاملهم كلّهم معاملة حسنة ومتساوية، وعاشوا في كنفه وتحت رعايته وفي ظلّه.
بناء الخلوة
لم يكن في قرية كفر سميع خلوة، فلمّا بدأ نجم عائلة طافش يسطع ويتألّق عُيّنوا المسؤولين عن الوَقْف من قِبل أهل القرية. استشار الشّيخ خليل أخاه وأهالي القرية، وبعد الموافقة بنى الخلوة على أرضه، قريبًا من بيته الّذي سكنه مع أهله وأبناء عائلته. وبحسب أقوال ابنته، السّتّ أمّ نسيب، رحمها الله، كان بناء الخلوة على مرحلتين: في المرحلة الأولى بنى الشّيخ خليل غرفة واحدة، ومع الوقت أصبح محطّ أنظار الجميع وصار شيوخ الطّائفة يزورنه جماعات-جماعات، فعاد الشّيخ خليل ووسّع الخلوة إلى أن أصبحت كما نراها اليوم. وكان الشّيخ خليل قد جمع تبرّعات من القرى الدّرزيّة ووسّع الخلوة الّتي بناها على أرضه من مال التّبرّعات وكذلك من ماله الخاصّ.
استمرّ الشّيخ خليل في إدارة شؤون أرض الوَقْف والخلوة حتّى وفاته، ثمّ تسلّم إدارة رزق الوَقْف ابن أخيه، الشّيخ صالح بن سلمان طافش رحمهما الله. وبعد وفاة الشّيخ صالح تسلّمت إدارة رزق الوَقْف والخلوة ابنة الشّيخ خليل، السّتّ أمّ نسيب، وبعد وفاتها استلمت شؤون الخلوة الأخت هديّة نسيب فلاح، حفيدة المرحومة السّتّ أمّ نسيب، الّتي عاشت مع جدّتها في الخلوة قرابة خمسة عشر عامًا ترعاها وتخدمها.
حفظه لكتاب الله
كان الشّيخ خليل، رحمه الله، يقضي جلّ وقته في قراءة الدّين، في الخلوة، وأراد حفظ الكتاب العزيز عن ظهر قلب. غير إنّ كثرة الزّوّار منعته من الحفظ، فاتّخذ قرارًا حاسمًا وترك القرية متوجّهًا إلى مقام سيّدنا الخضر، عليه السّلام، القريب من قرية دير الأسد، معلنًا أنّه لن يعود إلى بيته قبل أن يختم الكتاب. فمكث في المقام شهرًا كاملًا حتّى ختم المعلوم الشّريف وعاد الى أهل بيته وقريته.
جمع التّبرّعات من جبل الدّروز ولبنان لمقام سيّدنا النّبيّ شُعيب، عليه السّلام
من الأعمال الّتي قام بها الشّيخ خليل طافش من أجل الطّائفة هو سفره برفقه الشّيخ أبي قاسم محمّد فرهود، من قرية الرّامة، والشّيخ محمّد فارس، من قرية حرفيش، إلى جبل لبنان وجبل الدّروز، وذلك بناءً على طلب الشّيخ مهنّا طريف، من جولس، بهدف جمع التّبرّعات لترميم مقام سيّدنا شُعيب، عليه السّلام.
وفاته
في نهاية حياته أصاب الشّيخ خليل مرض عضال، فسمع مشايخ البلاد بمرضه وقصدوا قرية كفر سميع للاطمئنان على صحته. وبعد أن اشتدّ عليه المرض فارق الحياة وهو في الخلوة وإلى جواره يجلس المشايخ الأجلّاء، بينهم فضيلة الشّيخ طريف طريف والد فضيلة الشّيخ أمين طريف، رحمهما الله. كانت فُجعت كفر سميع وفُجع أبناء طائفة الموحّدين الدّروز بوفاة الشّيخ خليل. وقد دُفن هو وابنته السّتّ أم نسيب وابن أخيه الشّيخ صالح في ساحة الخلوة المذكورة سابقًا.
* * *
للاستزادة والتّوسُّع:
- فلاح، عليّ نسيب. سيرة الشّيخ خليل طافش – رحمه الله. د. م.: د.ن.، 1991.
- فلاح، عليّ نسيب. كفر سميع. البقيعة: سلمان يوسف،
- فلاح، عليّ نسيب. خلوة الشّيخ خليل- رحمه الله. د. م.: د. ن.، 1996.
- العريضيّ، أبو صالح فرحان. مناقب الأعيان. عاليه: مدرسة الإشراق، ج. 4، 2018.