الشّيخ د. فؤاد أبو زكي

وُلد الشّيخ فؤاد أبو زكي في بلدة عينبال الواقعة قضاء الشّوف، عام 1924 م.، في كنف أُسرة توحيديّة أصيلة تنتمي إلى الطّائفة المعروفيّة. والده الشّيخ أبو رشيد محمّد إسماعيل أبو زكي، رجُل معروف بتقواه وحكمته، عمل في البناء والزّراعة وتربية الماشية. أمّا والدته فجسّدت مثال المرأة الموحّدة الّتي كرّست حياتها لخدمة أُسرتها وتربيتها على القيم الدّينيّة والاجتماعيّة، ومساعدة ابنها، فؤاد، على تحقيق طموحه في العلم والمعرفة.

نشأ الشّيخ فؤاد في بيئة عائليّة متواضعة، تعكس صورة الحياة البسيطة الّتي عاشتها غالبيّة العائلات الدّرزيّة في ذلك الزّمن؛ إذ كان الاعتماد على القيم الرّوحانيّة والعمل الدّؤوب، فقد ترعرع محاطًا ببيئة مشبعة بالقيم الدّينيّة والمبادئ التّوحيديّة، شكّلت حجر الزّاوية لشخصيّته، لاحقًا، ومسيرته الحافلة بالعطاء. كان له أخت وحيدة وسبعة أخوة، غير أنّ الحزن خيّم على العائلة حين فقدوا أحد الإخوة وهو لم يزل في العاشرة من عمره، ذلك ترك أثرًا عميقًا في نفوس أفراد الأُسرة، خاصّةً في ظلّ الظّروف الصّعبة الّتي عاشوها.

تلقّى الشّيخ فؤاد أبو زكي تعليمه الابتدائيّ في مدرسة بلدته، عينبال، ثمّ في مدرسة المريميّين، في دير القمر، حيث واجه صعوبات شديدة في سبيل تحصيل العلم. كان يسير، يوميًّا، على قدميه مسافةً تقدّر بـِ-12 كيلومترًا، ذهابًا وإيابًا، متحدّيًا التّضاريس وصعوبة الأحوال الجوّيّة، ليصل الى مدرسته ويحقّق طموحه في التّعلُّم. ومع هذه المشقّة، لم يكتفِ بالدّراسة فقط، بل عمل في خدمة حاجات المدرسة بعد انتهاء الدّوام، فأظهر، منذ صغره، تفانيًا وإصرارًا يُحتذى به.

أنجز الشّيخ فؤاد المرحلة الابتدائيّة حاصلًا على شهادة الصّفّ الخامس الأساسيّ، المعروفة، آنذاك، بـِ-“السّرتيفيكا”، وكانت تُعدّ إنجازًا هامًّا ومرموقًا في ذلك الوقت. لم يكن العِلم في نظر الشّيخ فؤاد مجرّد تحصيل دراسيّ، لكنّه كان نافذة نحو التّنوير الفكريّ والرّوحانيّ، مستلهمًا من تعاليم الأمير السّيّد، قدّس الله سرّه، الّذي كان يعدّه قدوةً ومعلّمًا روحانيًّا. ارتبط الشّيخ فؤاد بمعلّمه المُلهم بعلاقة احترام عميقة وإعجاب، وقد شكّلت تلك المرحلة اللّبنة الأولى في بناء شخصيّته الفكريّة والرّوحانيّة الّتي أثّرت، فيما بعد، في مسيرته الحياتيّة.

مسيرته التّربويّة

بعد نيله شهادة “السّرتيفيكا”، شقّ الشّيخ فؤاد أبو زكي طريقه في المجال التّربويّ بإخلاص وعزيمة. عُيّن وكيلًا ومعلّمًا (مديرًا) لمدرسة كفرمتى الرّسميّة، حيث عمل لمدّة ثلاث سنوات، وترك بصمة واضحة على العمليّة التّعليميّة في المنطقة. ثمّ انتقل، في عام 1948 م.، إلى إدارة مدرسة مزرعة الشّوف الرّسميّة، واستمرّ في قيادتها مدّة ثلاث سنوات أُخرى. خلال هذه الفترة، أظهر الشّيخ فؤاد اهتمامًا بالغًا بشؤون البلدة وأبنائها، فشجّع التّعليم ووفّر سبل النّجاح لأبنائها وبناتها، ما جعله محطّ حبّ واحترام أهل البلدة والبلدات المجاورة. لم يرَ فيه سكّان المزرعة مجرّد مدير مدرسة، بل استقبلوه فردًا من أفراد أُسرهم، وفتحوا له أبواب بيوتهم تقديرًا لعطائه.

تميّز الشّيخ فؤاد بإصراره على تعزيز تعليم الإناث إلى جانب الذّكور، ما لم يكن شائعًا في ذلك الوقت؛ إذ كان التّعليم مقتصرًا على الذّكور في غالبيّة المناطق. وضع هدفًا استراتيجيًّا يتمثّل في ضمان عودة الطّالبات إلى منازلهنّ فور انتهاء الدّوام المدرسيّ، قبل خروج الذّكور، لضمان عدم حدوث أيّ مواقف قد تتسبّب في الإشكاليّات الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة، الإجراء الّذي يعكس فطنته وحُسن تدبيره.

وفي عام 1971 م.، انتقل الشّيخ فؤاد إلى ملاك مديريّة التّعليم الثّانويّ، حيث عُيّن في ثانويّة بعقلين الرّسميّة. تصادفت هذه المرحلة مع اندلاع الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، عام 1975 م.، وهي فترة عصيبة تطلّبت قيادة حكيمة ومواقف مدروسة. استطاع الشّيخ فؤاد، بحكمته وحنكته وحزمه، أن يدير المدرسة بكفاءة، مع الظّروف الصّعبة، معتمدًا على علاقاته الاجتماعيّة الواسعة وتدبيره الحكيم، ما جعل منه نموذجًا للقائد التّربويّ الّذي يجمع بين المِهنيّة والإنسانيّة في أحلك الأوقات.

شهاداته الأكاديميّة

تميّز الشّيخ فؤاد أبو زكي بشغفه الكبير للعِلم والمعرفة، ما دفعه إلى مواصلة مسيرته الأكاديميّة بالرّغم من انشغاله بالعمل التّربويّ والمسؤوليّات الاجتماعيّة. حصل على إجازة في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة بيروت العربيّة، عام 1971 م.، وهو الإنجاز الّذي شكّل نقطة انطلاق نحو المزيد من التّخصّص والتّعمّق في مجاله. واصل الشّيخ مسيرته الأكاديميّة، فحصل، عام 1974 م.، على دبلوم في الدّراسات العليا في اللّغة العربيّة وآدابها، من الجامعة نفسها، وقد أثبت قدرته على التّعمّق في دراسة التّراث الأدبيّ واللّغويّ العربيّ.

وفي عام 1980 م.، نال الشّيخ درجة الماجستير في اللّغة العربيّة وآدابها من الجامعة اليسوعيّة الّتي تعدّ من أبرز الجامعات في لبنان، وكان موضوع دراسته، آنذاك، يعكس رؤيته العميقة ورغبته في الإسهام في إغناء الأدب العربيّ. ولم يتوقّف طموحه هنا، لكنّه ظلّ مستمرًّا في السّعي وراء أعلى درجات التّحصيل الأكاديميّ؛ إذ حصل، في عام 1994 م.، على درجة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها من الجامعة اللّبنانيّة. عكست أطروحته جهده الدّؤوب والتزامه تُجاه اللّغة العربيّة بوصفها ركيزةً أساسيّةً للهويّة والثّقافة، ليصبح بذلك مرجعًا أكاديميًّا وتربويًّا مشهودًا له في هذا المجال.

إنّ مسيرة الشّيخ فؤاد الأكاديميّة تمثّل نموذجًا حيًّا للإرادة والعزيمة، فقد جمع بين العمل والتّعلُّم، وأسهم بإنجازاته في إثراء الميدان الأكاديميّ والتّربويّ، ليكون قدوةً للأجيال القادمة.

من مؤلفاته

كان الشّيخ الدّكتور فؤاد أبو زكي غزير الإنتاج في مجال التّأليف؛ إذ سعى، من خلال كتبه، إلى تسليط الضّوء على شخصيّات ومراحل هامّة في تاريخ الموحّدين الدّروز، إضافةً إلى تعزيز العقيدة التّوحيديّة بأسلوب يجمع بين البحث التّاريخيّ والتّوجيه الرّوحانيّ. من أبرز مؤلّفاته:

  1. الأمير السّيّد جمال الدّين عبد الله التّنّوخيّ، سيرته – أدبه (1997):

في هذا الكتاب، تناول الشّيخ سيرة الأمير السّيّد، قدّس الله سرّه، مستعرضًا مراحل حياته المليئة بالحكمة والفضيلة والتّعاليم الرّوحانيّة. كما أورد البعض من أمثاله وحكمه التّوحيديّة الّتي تعدّ مرجعًا أساسيًّا لعقيدة كلّ موحّد. يُعدّ هذا العمل دراسة متعمّقة تسلّط الضّوء على شخصيّة الأمير السّيّد من جوانبها الرّوحانيّة والأدبيّة والاجتماعيّة والدّينيّة؛

  1. شيخ مشايخ الموحّدين الدّروز محمّد أبو هلال، سيرته – أدبه (2000):

خصّص الشّيخ هذا الكتاب لسرد سيرة حياة الشّيخ الفاضل، محمّد أبي هلال، رضي الله عنه، مُبرزًا مكانته الرّوحانيّة والفكريّة. وقد استعرض، بأسلوب دقيق، سيرته وأدبه، مسلّطًا الضّوء على دوره في تعزيز القيم التّوحيديّة وترسيخها بين أتباع الطّائفة؛

  1. المعنيّون التّنّوخيّون من الأمير فخر الدّين المعنيّ التّنّوخيّ إلى الأمير سلطان باشا المعنيّ التّنّوخيّ (2008):

في هذا الكتاب تتبّع الشيخ نسب المعنيّين، بدءًا من الأمير فخر الدّين الثّاني المعنيّ التّنّوخيّ وصولًا إلى الأمير سلطان الأطرش المعنيّ التّنّوخيّ. أورد نسبهم الّذي يعود إلى قبائل تنّوخ القديمة، مستندًا إلى مصادر تاريخيّة وحقائق أنسابيّة تعزّز مكانة هذه الشّخصيّات في التّاريخَين العربيّ والتّوحيديّ؛

  1. كتاب الايمان في مسالك الايمان:

في هذا الكتاب، قدّم الشّيخ د. فؤاد أبو زكي شرحًا وافيًا لأهمّ مبادئ التّوحيد، مستعرضًا المراحل الّتي مرّ بها الإنسان للوصول إلى الإيمان الحقّ. يجمع الكتاب بين كونه عملًا تاريخيًّا ووَعظيًّا؛ من حيث أنّه يتضمّن عددًا من المواعظ والإثباتات الّتي تهدف إلى حثّ الموحّدين على الثّبات في عقيدتهم، ما يجعله مرجعًا روحانيًّا وتاريخيًّا ذا قيمة عالية.

* * *

         للاستزادة والتّوسُّع:

  1. أبو زكي، فؤاد. الأمير السّيّد جمال الدّين عبد الله التّنّوخيّ، سيرته – أدبه، بيروت: د. ن.، 1997.
  2. أبو زكي، فؤاد. المعنيّون من الأمير فخر الدّين الثّاني المعنيّ التّنّوخيّ إلى الأمير سلطان الأطرش المعنيّ الثّاني: الشّوف: الدّار التّقدّميّة،
  3. المصريّ، مكرم (11/9/2023)، “تاريخ في قلب التّاريخ: سيرة حياة المؤلّفين الموحّدين- الحلقة الثّانية”، موقع مجلّة الرّأي الآخر الإلكترونيّة، رابط:

https://www.opinedigest.com/

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה