الشّيخ المرحوم أبو ريدان يوسف جابر شهيّب (1914-1997 م.)؛ من الأعلام التّوحيديّة البارزة عند طائفة الموحّدين الدّروز، في لبنان والشّرق الأوسط، على امتداد القرن الميلاديّ العشرين. وُلد الشّيخ يوسف في بلدة عاليه، عام 1914 م.، ونشأ في كنف أُسرة عرفت بإيمانها وتقاليدها الدّينيّة الرّاسخة وبمشايخها الّذين بلغوا ذُرًى رفيعة في مراتب الدّين والزّهد والتّقوى.
أشار صاحب مناقب الأعيان إلى الشّيخ أبي ريدان يوسف جابر شهيّب في سياق حديثه عن الشّيخ أبي سليمان شهيّب، المعروف بلقب السّلطان. وقد نقل الكاتب عن لسان الشّيخ أبي ريدان قصّة تتعلّق بالشّيخ أبي سليمان، وهذا يعكس مكانة الشّيخ أبي ريدان بوصفه مصدرًا موثوقًا وشاهدًا على تفاصيل دقيقة من تاريخ الطّائفة الدّرزيّة وشخصيّاتها البارزة.
في أثناء الحرب الأهليّة اللّبنانيّة، عام 1983 م.، اضطلع الشّيخ أبو ريدان بدور محوريّ في إعلاء الرّوح المعنويّة لدى المقاتلين من أبناء الطّائفة المعروفيّة، مسخّرًا حكمته وشجاعته في الدّعوة إلى صون كرامة الطّائفة والدّفاع عن حقوقها. كما كان له إسهامٌ جوهريّ في مساعي تحقيق الأمن والاستقرار وترسيخ المصالحة الوطنيّة في لبنان.
في مطلع تسعينيّات القرن الميلاديّ العشرين، تشرَّف الشّيخ أبو ريدان بتكريمه من قِبَل أبرز المرجعيّات الدّينيّة لدى طائفة الموحّدين، فضيلة الشّيخ أبو حسن عارف حلاوي (1899-2003 م.)، الّذي ألبسه العمامة المكوّرة، في خطوة رمزيّة تعكس مكانته الرّفيعة بين أقرانه. وقد كان الشّيخ أبو ريدان واحدًا من ثلاثة مشايخ حظوا بهذا الشّرف، إلى جانب الشّيخَين الجليلَين: أبو محمّد جواد وليّ الدّين (1916-2012 م.)، وأبو محمّد صالح العنداريّ (1913-1992 م.).
انتقل الشّيخ الجليل أبو ريدان يوسف شهيّب إلى رحمة الله تعالى مساء يوم الخميس، الموافق 27 تشرين ثانٍ 1997 م.، وقد وورِيَ جثمانه الطّاهر الثّرى في مسقط رأسه، عاليه، وسط جنازة مهيبة شهدت حضورًا حاشدًا من أبناء الطّائفة وشخصيّات بارزة في المجتمع اللّبنانيّ. وقد نعته الهيئة الرّوحية الدّرزيّة بعبارات مليئة بالإجلال والتّقدير، جاء فيها: “بالرّضى والتّسليم لمشيئته تعالى، ننعي لحضرتكم ركنًا من أركان الدّين، وعالمًا من العلماء المجاهدين، صاحب التُّقى والشّوق واليقين، العارف بالله، المرحوم الشّيخ أبو ريدان يوسف جابر شهيّب”.
تجدر الإشارة إلى أنّه كان للشّيخ أبي ريدان دور رياديّ في دعم المؤسّسات التّعليميّة وتطويرها، مسخّرًا حكمته ورؤيته البعيدة لتعزيز مستقبل التّعليم في مجتمعه. ومن أبرز محطّات هذا الدّور، تقديمه نصيحة مؤثّرة ومصيريّة لمؤسّس مدرسة الإشراق، الأستاذ الشّيخ غسّان شهيّب، بالتّنازل عن رخصة المدرسة لصالح جمعيّة من مشايخ بلدة عاليه. وقد استند هذا القرار إلى رؤية الشّيخ بأنّ إدارة المدرسة من قِبل جمعيّة تضمّ مشايخ البلدة ستوفّر لها استقرارًا ماليًّا ومعنويًّا، الأمر الّذي سيضمن استمرارها في تقديم التّعليم وخدمة الأجيال القادمة. وقد أثمر هذا التّوجّه بنتائج استثنائيّة؛ إذ استطاعت المدرسة، بعد ذلك، تحقيق قفزات نوعيّة في مستواها التّعليميّ والإداريّ.
بهذا، يُعدّ الشّيخ المرحوم أبو ريدان يوسف شهيّب من القامات الدّينيّة البارزة الّتي تركت بصمة عميقة في تاريخ الطّائفة الدّرزيّة، مُسهِمًا بحكمته وإخلاصه في تعزيز مكانتها، وترسيخ قيمها الرّوحانيّة والاجتماعيّة، ودعم مؤسّساتها الدّينيّة والتّعليميّة، ما جعله نموذجًا يُحتذى به في القيادة والتّفاني لخدمة المجتمع التّوحيديّ في لبنان وخارجه.
فيما يلي رسالة التّعزية الّتي أبرقها فضيلة الشّيخ أبو حسن موفّق طريف، الرّئيس الرّوحي لطائفة الموحّدين الدّروز في إسرائيل، إلى الأهل والمشايخ في لبنان:
“بسم الله الرّحمن الرّحيم
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
صدق الله العظيم
تعزية
الحمد الله الّذي لا مردّ لحكمه إن أراد، ولا دوام لغيره من سائر المخلوقات والعباد، لا اعتراض على حكمه ولا مردّ لقضاه، لا إله غيره ولا معبود سواه.
بالمزيد من الرّضى والتّسليم لحكم الله وقضاه، تلقّينا نبأ وفاة الفاضل الدّيّن التّقيّ سليل الشّيوخ السّادة الأعيان، صاحب الخلق الحسن والاتّزان، صادق اللّسان، طيّب الجنان، وفقيد عموم أهل الدّين والإخوان
المرحوم الشّيخ أبو طاهر ريدان يوسف جابر شهيّب
تغمّده الله بواسع رحمته وأسكنه بمنّه وكرمه رياض فضله وجنته
في مثل هذا الموقف الحقّ، نستلهم البركة ممّا تركه هذا الرّاحل الجليل من أثر طيّب جميل توارثه جيلًا بعد جيل، وتعلّمه منذ مطلع شبابه على يد والده الطّاهر الدّيّان شيخنا الشّيخ أبي ريدان يوسف شهيّب، طيّب الله ثراه وأدام علينا عبق ذكره وذكراه.
عليه، ونيابةً عن الأهل والمشايخ في البلاد، نتقدّم بخالص التّعازي القلبيّة الصّادقة، إلى عموم المشايخ والأهل والإخوان في لبنان عامّةً، وآل شهيّب الأفاضل خاصّةً، مشاطرينكم ألم الحزن والفقد لهذه الهامة التّوحيديّة الّتي سنفتقدها جميعًا.
في الختام، لم يبقَ لنا إلّا أن نتعوّض بسلامة حضراتكم جميعًا، سائلين الله عزّ وجل أن يقدّرنا وإيّاكم على الرّضا في موقع القضا، وأن يشمل راحلنا الجليل الطّاهر الدّيّان، برحمة ومغفرة وفضل وإحسان.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
الله يرحمه
الأسيف
أخوكم موفّق طريف
الرّئيس الرّوحيّ لطائفة الموحّدين الدّروز
جولس، الأحد؛ 18.04.2021″
* * *
للاستزادة والتّوسُّع:
- العريضي، فرحان سعيد. مناقب الأعيان. عاليه: مدرسة الإشراق، ج. 2، 1994، ص. 273.
- ناطور، سميح؛ عطالله، منير. العمامة المكوّرة: تاريخها وسير معتمريها. دالية الكرمل: آسيا، 2007.
- ناطور، سميح. “شهيب، يوسف (أبو ريدان)”،موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير)، مج. 3 (2011)، ص. 114.
- سميح ناطور، “المرحوم الشّيخ أبو طاهر ريدان يوسف جابر شهيّب”، العمامة 156 (2021).
- موقع “مدرسة الإشراق عاليه” (2 تشرين أوّل 2015)، على الرّابط: https://al-ishraq.org/.