نايف أمين حمزة؛ طبيب جرّاح ومتخصّص في طبّ النّساء، طبقت شهرته الآفاق. وُلد لعائلة درزيّة في قرية عْبيه اللّبنانيّة، في الخامس والعشرين من آب عام 1895 م.، وتزوّج عام 1923 م. وله من الأولاد اثنان: نجلاء ونديم. ابنته، السّيّدة نجلاء حمزة-نجّار، الّتي وُلدت عام 1928 م. وعاشت فترة في بلادنا، هي شخصيّة مثقّفة وجامعيّة، اقترنت بالسّيّد رفيق النّجّار، وكانت مركّزة ورئيسة جمعيّات خيريّة في منطقة الشّوف. أمّا نجله نديم فهو محاضر جامعيّ، متخصّص في تدريس التّاريخ، وله كتاب بعنوان التّنّوخيّون، يحتوي على بحث تاريخيّ شامل عن فترة هامّة في تاريخ الطّائفة الدّرزيّة، بعد الدّعوة إلى مذهب التّوحيد في لبنان.
مسيرته المهنيّة
أنهى دراسة الطّبّ في الجامعة الأمريكيّة، في بيروت، عام 1919 م.، وحمل رخصة الطّبّ رقم 193. وبعد ذلك انضمّ إلى القوّات العسكريّة البريطانيّة في الشّرق الأوسط بصفته طبيبًا، وكان بَين عامَي 1920-1919 م. ضابطًا طبّيًّا في صفوف الجيش البريطانيّ في السّودان، وتنقّل مع القوّات العسكريّة البريطانيّة في بلدان الشّرق. وعام 1921 م. عُيِّن طبيبًا عسكريًّا في يافا، وفي العام التّالي، 1922 م.، عمل طبيبًا عامًّا في رام الله، ثمّ انتقل إلى نابلس عام 1931 م.، وبعدها إلى القدس عام 1934 م.، ثمّ إلى حيفا عام 1935 م. حيث استقرّ وأسّس عيادة صغيره تحوّلت، لاحقًا، إلى مستشفى حكوميّ يُعرف اليوم بِاسم مستشفى “رمبام”. وفي عام 1938 م. أشغل منصب رئيس قسم الجراحة والمدير الفعليّ للمستشفى المذكور، بتعيينٍ من سُلطات الانتداب البريطانيّ، بالأخذ في عين الاعتبار نجاحاته الطّبّيّة الباهرة، واستمرّ يؤدّي عمله في منصب الإدارة حتّى قيام دولة إسرائيل، عام 1948 م.، حينها غادر إلى نابلس ومنها عاد إلى مسقط رأسه، قرية عْبيه اللّبنانيّة، حيث عاش إلى أن توفّاه الله تعالى فيها عام 1977 م..
برز الطّبيب نايف حمزة ببراعته في مجال الطّبّ، فكان جرّاحًا رئيسًا ومديرًا للمستشفى الحكوميّ البريطانيّ. وخلال مسيرته المهنيّة سطّر العديد من النّجاحات والإنجازات، وفي فترته كان المستشفى مزوّدًا بأحدث المعدّات والتّجهيزات الطّبّيّة بحيث أصبح أكبر مستشفى في الشّرق الأوسط، آنذاك، فذاع صيته وبات يُعرف بِاسم “مستشفى الدّكتور نايف حمزة”. ذلك النّجاح كلّه تحقّق له بفضل حذاقته وبراعته في الطّبّ، بشكلٍ عامّ، وفي الجراحة على وجه الخصوص، وبفضل إنسانيّته المتناهية الّتي نال بها احترام وتقدير وإعجاب كلّ من عرفه وتعرّف إليه، خصوصًا أبناء حيفا، في ذلك الوقت، وسكّان محيطها القريب والبعيد، حتّى بات يُطلق، عفويًّا، على المستشفى “مستشفى الدّكتور حمزة” وجرى هذا الاسم على لسان العامّة سنوات طِوال.
بعد أن استقرّ في حيفا بنى الطّبيب نايف حمزة له بيتًا حجريًّا عصريًّا وجميلًا يتكوّن من أربعة طوابق، وافتتح فيه عيادة خصوصيّة، عالج فيها الكثيرين من سكّان حيفا وجبل الكرمل والجليل وغيرها من المناطق، وكان يعالج المرضى الفقراء منهم على نفقته الخاصّة. وفي عام 1944 م. أسّس ما عُرف بـِ-“جمعيّة إغاثة الفقير الدّرزيّ” الّتي هدف من خلالها إلى مساعدة المعوزين من أبناء طائفته، مع أنّه، في الواقع، كان يساعد قدر استطاعته الفقراء من دون أن يهتمّ بعرقهم أو ديانتهم أو مذهبهم، والعديدون من مثقّفي عرب هذه البلاد ومتنوّرينهم الّذين عاصروه وعاشروه وجالسوه وكان قد عالجهم كتبوا عنه أروع ما يمكن أن يُكتب في طبيب ورجُل مجتمع.
كما أسلفنا، نال الطّبيب نايف حمزة تقديرًا عظيمًا لمهنيّته وإنسانيّته، ويُذكر أنّه في عام 1943 م. قرّر ملك المملكة المتّحدة، جورج السّادس، منح شهادة شرف لعدّة شخصيّات، وذلك بمناسبة ذكرى ميلاده، فكان الطّبيب نايف حمزة من بين المكرَّمين، نظرًا إلى إسهامه الكبير وخدماته الإنسانيّة الكثيرة. وفي كرمه وعطائه قالت سيّدة حيفاويّة، تُدعى مريم عتمة، إنّ والدها الّذي أشغل منصب أمين صندوق في مستشفى الدّكتور حمزة، في نهاية فترة الانتداب البريطانيّ، حدّثها أنّ الطّبيب نايف حمزة كان قد ترك في خزينة المستشفى 1,000 ليرة فلسطينيّة قبل انتقاله إلى نابلس.
اندماجه في المحيط المحلّيّ
كان الطّبيب نايف حمزة شخصيّة اجتماعيّة مثقّفة، امتاز بالأخلاق والخصال الحميدة، وكان من الشّخصيّات البارزة في منطقة شمال البلاد، خاصّةً في مجتمع الطّائفة الدّرزيّة؛ إذ كان يُدعى إلى زيارة القرى الدّرزيّة فيجتمع فيها بوجهاء الطّائفة ورجال الدّين الأجلّاء، ويلتقي عامّة النّاس، ويساعدهم في اتّصالهم مع السُّلطات والدّوائر الحكوميّة، وكان يشارك أبناء الطّائفة أعيادهم ومناسباتهم. ومن بين علاقاته العديدة ربطته في جولس علاقة محبّة وتقدير وإجلال مع المرحوم فضيلة الشّيخ أبي يوسف أمين طريف، الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة بين عامَي 1928-1993 م.، كما كانت له ولعائلته في قرية دالية الكرمل علاقات صداقة وثيقة ومحبّة عميقة مع والدَي المحامي زكي كمال، رئيس الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة للتّربية والتّعليم في حيفا.
كان الطّبيب نايف حمزة يحبّ الخير للنّاس جميعًا ويسعى دومًا إلى إصلاح ذات البين بينهم. وكان من المبادرين لعقد راية الصّلح في دالية الكرمل الّتي كان قد دبَّ فيها خلاف ثمّ مواجهة دمويّة عنيفة ومؤسفة. وكذلك الامر في شفاعمرو، حيث كان له وصُحبةٍ من العقّال الموحّدين، دور بارز في تهدئة الخواطر بين المسلمين والدّروز إثر مقتل الشّيخ حسن خنيفس، رحمه الله، وذلك بالتّعاون مع الوفد السّوريّ الّذي قدم إلى هذه الدّيار لتسوية الخلاف بين الطّائفتين المتخاصمتين، حتّى عُقدت، أخيرًا، راية الصّلح وتمّت المسامحة والمصافحة والممالحة بين الطّرفين.
وتقديرًا لتولّي الطّبيب نايف حمزة إدارة المستشفى الحكوميّ (“رمبام” حاليًّا) حتّى عام 1948 م.، أُزيل السّتار يوم الأحد، الثّالث عشر من حزيران عام 2021 م.، عن لوحة تذكاريّة للدّكتور نايف حمزة، ابن الطّائفة التّوحيديّة المعروفيّة، وذلك بحضور الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة، فضيلة الشّيخ أبي حسن موفّق طريف، ولفيفٍ من كبار الأطبّاء في مستشفى “رمبام”، في حيفا، ومن المشايخ والضّيوف الكرام.
***
الاستزادة التّوسّع:
- صّغيّر، عليّ. “الدّكتور نايف حمزة يطلب من الشّيخ سعيد معدّي عام 1939 أن يسعى من أجل إحلال الصّلح بدالية الكرمل”. العمامة 150 (2020)، 16-12.
- فلاح، سلمان. “الدّكتور نايف حمزة”. العمامة 104 (2012)، 24.
- موقع ويكبيديا الموسوعة الحرّة:
- موقع العمامة:
- موقع العمامة:
- موقع المدار:
https://www.almadar.co.il/news-1,N-73612.html
- موقع بكرا:
https://bokra.net/Article-1206137
- موقع القدس العربيّ: