الكشّاف هو حركة تربويّة تطوّعيّة عالميّة تسعى إلى بناء شخصيّة الشّبيبة النّاشئة وتنمية قدراتهم، من خلال أنشطة ميدانيّة وبرامج تربويّة تعزّز القيَم الأخلاقيّة والاجتماعيّة. تُعدّ الحركة الكشفيّة إطارًا شاملًا يُشجّع الشّباب على تحقيق ذواتهم والإسهام الفعّال في مجتمعاتهم.
في هذا السّياق، يتميّز الكشّاف الدّرزيّ بكونه جزءًا من هذه الحركة العالميّة، وهو يكتسب خصوصيّته من ارتباطه العميق بالقيم الثّقافيّة والدّينيّة التّوحيديّة للطّائفة الدّرزيّة. يسعى الكشّاف الدّرزيّ إلى تقديم تجربة كشفيّة تجمع بين المبادئ التّربويّة العامّة للحركة الكشفيّة وتراث الطّائفة، ما يجعله وسيلة فعّالة لتعزيز الهويّة الدّينيّة والاجتماعيّة لدى الشّباب الدّرزيّ.
تلعب هذه الحركة دورًا محوريًّا في المجتمع الدّرزيّ، فهي تُسهم في بناء شخصيّة الأفراد وتطوير مهاراتهم القياديّة والاجتماعيّة، إلى جانب تعزيز روح التّعاون والانتماء، من خلال أنشطتها المتنوّعة. هكذا يُعدّ الكشّاف الدّرزيّ نموذجًا متميّزًا للعمل التّطوّعيّ الّذي يهدف إلى تنمية الفرد والمجتمع في آنٍ واحد.
النّشأة والتّأسيس
شهدت حركة الكشّاف الدّرزيّ في إسرائيل نشأتها الأولى في منتصف القرن الميلاديّ العشرين، في ظلّ الحاجة إلى تأسيس إطار تربويّ وتنظيميّ خاصّ يعكس خصوصيّة الطّائفة الدّرزيّة الثّقافيّة والدّينيّة، وفي الوقت ذاته يكون جزءًا من الحركة الكشفيّة العالمية. تعود البدايات الرّسميّة لتأسيس الكشّاف الدّرزيّ إلى عام 1954 م.، بفضل جهود المرحوم الدّكتور سلمان حمّود فلاح الّذي يُعدّ المؤسّس الأوّل لهذه الحركة.
د. سلمان فلاح هو على رأس الشّخصيّات الدّاعمة لتأسيس الكشّاف الدّرزيّ، إلى جانب مجموعة من القادة المحلّيّين والمربّين الّذين أدركوا أهمّيّة وجود حركة كشفيّة تُلبّي الاحتياجات التّربويّة والاجتماعيّة للنّاشئة الدّرزيّة، وتعمل على تعزيز هويّة الشّباب الثّقافيّة والدّينيّة. بدأ الكشّاف الدّرزيّ في ثماني مجموعات صغيرة (تُسمّى “قبائل”)، في عدّة قرى درزيّة، مثل: كفر سميع، بيت جنّ ودالية الكرمل، لتصبح نواةً للتّنظيم الكشفيّ الدّرزيّ، وسرعان ما توسّعت هذه الحركة لتشمل غالبيّة القرى الدّرزيّة في إسرائيل.
في عام 1955 م.، انتُخب المرحوم د. سلمان فلاح رئيسًا للحركة الكشفيّة الدّرزيّة، ومثّلها في توقيع ميثاق تأسيس جمعيّة الكشّافة الإسرائيليّة، في مكتب الرّئيس الإسرائيليّ آنذاك، يتسحاك بن تسفي. قاد د. سلمان جهود توسيع الحركة لتشمل غالبيّة القرى الدّرزيّة في إسرائيل، كما أسلفنا، مُعزّزًا مناهجها وبرامجها لتتوافق مع القيم الدّرزيّة. خلال الخمسينيّات والسّتينيّات، شهدت الحركة تطوّرًا ملحوظًا مع إدخال برامج متخصّصة تُركّز على القيم الدّينيّة والثّقافيّة، وتعزّز الانتماء الوطنيّ والاجتماعيّ.
في عام 1974 م.، حصل الكشّاف الدّرزيّ على اعتراف رسميّ بوصفه جزءًا مستقلًّا داخل جمعيّة الكشّافة الإسرائيليّة، ما مكّنه من تنظيم مخيّمات سنويّة وبرامج ميدانيّة تهدف إلى تطوير المهارات القياديّة والاجتماعيّة لدى الشّباب الدّرزيّ، مع الحفاظ على تراث الطّائفة وثقافتها. ومنذ ذلك الحين، توسّع الكشّاف الدّرزيّ ليضمّ عشرات المجموعات أو القبائل الكشفيّة في مختلف القرى الدّرزيّة، مؤدّيًا دورًا محوريًّا في بناء الشّخصيّة القياديّة والتّربويّة للأجيال الصّاعدة.
الغرض من تأسيس كشّاف درزيّ خاصّ
كان الهدف الأساسيّ من تأسيس الكشّاف الدّرزيّ توفير إطار تعليميّ وتنمويّ يُعزّز الانتماء لدى أبناء الطّائفة ويُسهم في تنمية مهاراتهم الشّخصيّة والاجتماعيّة. كما سعت الحركة إلى الجمع بين مبادئ الحركة الكشفيّة العالميّة وقيَم الطّائفة الدّرزيّة الدّينيّة والأخلاقيّة، وقد صُمّمت الأنشطة والبرامج لتشجيع الشّباب على تحقيق التّوازن بين التّقدّم الفرديّ والتّكافل الاجتماعيّ، مع الحفاظ على التّراث الدّرزيّ والهويّة الثّقافيّة.
الهويّة والقيم
يمتاز الكشّاف الدّرزيّ بهويّة خاصّة تجمع بين المبادئ الكشفيّة العالميّة والخصوصيّة الثّقافيّة والدّينيّة للطّائفة المعروفيّة. تعكس هذه الخصوصيّة الالتزام العميق بالقيم الأخلاقيّة والرّوحانيّة الّتي تُعدّ حجر الزّاوية في العقيدة التّوحيديّة-الدّرزيّة، مثل: الإخلاص، التّسامح، التّعاون وخدمة الآخرين. وتعمل الحركة على غرس هذه القيَم في نفوس أعضائها من الشّبّان والشّابّات، بهدف تمكينهم من أن يكونوا أفرادًا مسؤولين ومُسهمين في بناء مجتمعهم.
تستمدّ الحركة الكشفيّة الدّرزيّة خصوصيّتها من ارتباطها الوثيق بالعقيدة وتعاليمها الّتي تركّز على التّربيّة الرّوحانيّة والالتزام الأخلاقيّ. تُشجّع الأنشطة الكشفيّة على احترام موروث الطّائفة الثّقافيّ والدّينيّ، من خلال برامج تُبرز التّراث الدّرزيّ وتُعلّم الشّباب أهمّيّة المحافظة على الهويّة الثّقافيّة. وتُعدّ القيَم التّوحيديّة، مثل: الإحسان والتّواضع ومساعدة الغير جزءًا لا يتجزّأ من التّجربة الكشفيّة، ما يعزّز انسجام الكشّاف مع مجتمعه وهويّته.
المبادئ الأساس
يركّز الكشّاف الدّرزيّ على ترسيخ مجموعة من القيم والمبادئ الأساسيّة بين أعضائه، من أبرزها:
- خدمة المجتمع: غرس روح التّطوّع والعمل الجماعيّ لخدمة المجتمع المحلّيّ وتعزيز التّلاحم الاجتماعيّ؛
- الانضباط والمسؤوليّة: تنمية مهارات القيادة وتحمُّل المسؤوليّة لدى الأعضاء؛
- الاحترام والتّسامح: تعزيز ثقافة قبول الآخر واحترام التّنوّع داخل الطّائفة وخارجها؛
- الالتزام بالأخلاق: تعليم النّاشئة الالتزام بالقيَم الأخلاقيّة المستمدَّة من العقيدة التّوحيديّة.
التّنظيم والهيكليّة
يتميّز الكشّاف الدّرزيّ بهيكل تنظيميّ مُحكم يعكس التّنظيمات الكشفيّة العالميّة، مع مراعاة خصوصيّة الطّائفة الدّرزيّة الثّقافيّة والدّينيّة. يُصمّم الهيكل التّنظيميّ بشكل يتيح التّفاعل السّلس بين المستويات القياديّة والأعضاء الشّباب، فيُسهم في تحقيق الأهداف الكشفيّة بفعّاليّة.
يتكوّن الكشّاف الدّرزيّ من عدّة مستويات تنظيميّة، تشمل:
القيادة المركزيّة: تُعدّ الهيئة الإداريّة العليا الّتي تضع السّياسات العامّة وخطط الحركة السّنويّة. تُشرف القيادة المركزيّة على الأنشطة كافّةً وتنسّق بين القبائل الكشفيّة المختلفة.
القبائل الكشفيّة: تُعدّ الوَحدة الأساسيّة في الهيكل التّنظيميّ، وتمثّل المجموعات الكشفيّة المحلّيّة في القرى الدّرزيّة. تُنظَّم القبائل بحسب الفئات العمريّة؛ إذ تشمل فرقًا للأطفال وفِرقًا للشّباب.
المرشدون والقادة المحلّيّون: لكلّ قبيلة قائد محلّيّ مسؤول عن تنظيم الأنشطة اليوميّة والإشراف على الأعضاء. يتعاون القادة مع المرشدين في تنفيذ البرامج التّربويّة والتّدريبيّة.
المناصب القياديّة والمسؤوليّات
رئيس الكشّاف الدّرزيّ: المسؤول الأعلى عن الحركة، يحدّد السّياسات العامّة ويُمثّل الكشّاف الدّرزيّ في المحافل الوطنيّة والدّوليّة؛
نائب الرّئيس: يُساعد الرّئيس في إدارة الأنشطة والإشراف على البرامج، ويقوم مقامه عند الحاجة؛
مجلس القادة: يتألّف من قادة القبائل والمشرفين على الفرق، يُنسّق الأنشطة المشتركة ويقدّم تقارير دوريّة عن التّقدّم المُحرز؛
المرشدون: يشرفون على الفرق العمريّة المختلفة، ويعملون على تنفيذ الأنشطة والبرامج وَفق الأهداف الكشفيّة.
يرتبط الكشّاف الدّرزيّ، بشكل مباشر، بجمعية الكشّافة الإسرائيليّة؛ إذ يُعدّ جزءًا معترفًا به من هذه الجمعيّة منذ عام 1955 م.. كما ويُشارك الكشّاف الدّرزيّ في الأنشطة الوطنيّة، مثل: المخيّمات الكشفيّة والمسابقات التّدريبيّة، ما يعزّز التّعاون مع بقيّة المجموعات الكشفيّة في البلاد.
وعلى المستوى العالميّ، يلتزم الكشّاف الدّرزيّ بالمبادئ الكشفيّة الّتي وضعتها الحركة الكشفيّة العالميّة ((WOSM، ويشترك في الأنشطة الدّوليّة، مثل: المؤتمرات الكشفيّة والمخيّمات العالميّة. يعزّز هذا الارتباط التّواصل الثّقافيّ بين الشّباب الدّروز وأقرانهم من مختلف أنحاء العالم، ذلك من شأنه أن يُثري تجربة الأعضاء الكشفيّة ويُعزز دورهم بوصفهم ممثّلين للطّائفة الدّرزيّة في المحافل الدّوليّة.
هكذا، يُمثّل الكشّاف الدّرزيّ نموذجًا خاصًّا يجمع بين الخصوصيّة الثّقافيّة والدّينيّة للطّائفة الدّرزيّة والمبادئ العالميّة للحركة الكشفيّة، ذلك يُبرز دوره بوصفه جسرًا بين الماضي والحاضر. فهو ليس مجرّد إطار لتطوير المهارات الشّخصيّة والجماعيّة، بل هو حركة تزرع في أعضائها قيَم العطاء، والتّعاون، والالتزام، لتعزّز فيهم الانتماء لمجتمعهم وهويّتهم. وقد أثبتت هذه الحركة، عبر تاريخها، قدرتها على بناء جيلٍ واعٍ يحمل على عاتقه مسؤوليّة المحافظة على تراث الطّائفة وإغنائه، في حين يُسهم بفاعليّة في بناء مجتمع أكثر تكافلًا وتماسكًا. يبقى الكشّاف الدّرزيّ شاهدًا على التّداخل المثمر بين التّقليد والتّجديد؛ إذ تستمرّ رسالته في إلهام الشّباب ليكونوا قادة المستقبل وأوصياء على إرث أجدادهم، ضمن إطار عالميّ يحترم التّعدّديّة ويحتفي بالتّنوّع.
* * *
للاستزادة والتّوسُّع:
- خوري، نعيم. الكشّاف: تربية وأخلاق. بيروت: دار الفكر اللّبنانيّ، 1995.
- كتاب الكشّاف الدّرزيّ. إشراف: د. سلمان فلاح. القدس: منظّمة الكشّاف الدّرزيّ الإسرائيليّ، 1994.
- فلاح، سلمان. النّشاط الكشفيّ. د. م.: حركة الكشّاف العربيّ والدّرزيّ، 2008.
- الموقع الرّسميّ للحركة الكشفيّة العالميّة (:(WOSM https://www.scout.org/
- موقع منظّمة الكشّافة الدّرزيّة:
- פלאח, סלמאן. הדרוזים בישראל. ירושלים: משרד החינוך והתרבות, 1989.
- פלאח, סלמאן. הדרוזים: היסטוריה, דת, חינוך וחברה. ל”מ: חסר בית הוצאה, 1974.
- Baden-Powell, Robert. Scouting for Boys: A Handbook for Instruction in Good Citizenship. London: Horace Cox, 1908. Reprint edition by Oxford University Press, 2004.