المعزّ لدين الله الفاطميّ

المعزّ لدين الله الفاطميّ

هو معد بن منصور؛ رابع الخلفاء الفاطميّين في بلاد أفريقيا، والخليفة الفاطميّ الأوّل في بلاد مصر ومؤسّس الدّولة الفاطميّة فيها، والإمام الرّابع عشر من أئمّة الإسماعيليّة. يُعدّ من كبار رجالات التّاريخ الّذين برز ذكاؤهم في العلم والحرب والسّياسة. لقبُه “المعزّ لدين الله”، وكنيتُه “أبو تميم”، وهو ابن أبو طاهر إسماعيل بن محمّد بن عبيدالله، الخليفة الفاطميّ الثّالث الملقّب بالمنصور بنصر الله (913-953 م.)، مؤسّس مدينة المنصوريّة، عاصمة بلاد المغرب في ذلك الزّمان، الّتي سُمّيت باسمه والّتي دُفن فيها لاحقًا.

وُلد الخليفة المُعزّ في الحادي عشر من رمضان عام 932 م. (319 هـ.) في مدينة المهديّة الّتي أسّسها الفاطميّون في المغرب، وأدرك ثلاثةً من الخلفاء الفاطميّين؛ المهديّ، القائم والمنصور. تسلّم الخلافة عام 954 م. (342 هـ.)، وكان قد بلغ الثّالثة والعشرين من عمره، وظلّ يحكم أربعة وعشرين عامًا في الفترة ما بين 953-975 م. وفيها ارتفع سلطانه ونال المجد والعظَمة. خرج من المهديّة وقدِم القاهرة في مصر عام 972 م. (361 هـ.)؛ أي بعد أربعة أعوام على إنشائها على يد وزيره القائد جوهر الصّقلبيّ[1] الّذي شيّد الجامع الأزهر باسم المُعزّ أيضًا. وبعد أربع سنوات على مكوثه في القاهرة فارق الخليفة المعزّ الحياة، في عمر ناهز السّادسة والأربعين، ودُفن فيها في حدود عام 976م. (365 هـ.). له من الأولاد أربعة: تميم، عبدالله، العزيز وعقيل، ومن البنات اثنتان: رشيدة وعبدة.

قبل قدومه مصرَ حارب الرّوم في صقلّيّة حيث حقّقت القوّات الفاطميّة انتصارات كبيرة، ورضخ المغرب الأوسط والأدنى والأقصى بأجزائهم كافّةً. وبعد أن استقرّت الأمور في تلك المناطق توجّهت أنظار المُعزّ إلى الشّرق؛ إلى مصر وبلاد الشّام، وقد كان على عِلم بحالة الفوضى الّتي ألّمت بها في ظلّ العبّاسيّين، وبالعجز الدّفاعيّ الّذي عانته تلك الرّبوع إثر ذلك، حتّى قال: “والله لو خرج جوهر الصّقلبيّ هذا وحده لفتح مصر، وليدخلن مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تسمّى القاهرة – تقهر بني العبّاس”[2]. نوى المُعزّ فتحَ مصر، وكانت آنذاك تحت حكم الأخشيديّين، ومن أجل أن يتجنّب تكرار أخطاء آبائه في محاولاتهم فتح تلك البلاد بقوّة الجيش فقط انتهج أسلوبًا مختلفًا عن أساليبهم، فبعث الدّعاة إليها، أوّلًا، ليهيّئوا له الأرضيّة الدّاخليّة، كما تواصل بنفسه مع أصحاب النّفوذ فيها من الموالين للفاطميّين. وجاءت مرحلة التّنفيذ حين ظهر في الأفق السّياسيّ حادثان: الأوّل، وفاة كافور الأخشيديّ، حاكم مصر، وتدهوُر حال بلاده سياسيًّا واقتصاديًّا؛ والثّاني، تأزُّم العلاقة بين المُعزّ والقرامطة في البحرين الّذين بدأوا يتصرّفون بمعزل عن الإدارة المركزيّة في أفريقيا. وفعلًا تمّ الأمر وفُتحت مصر باسم المُعزّ لدين الله على يدَي جوهر الصّقلبيّ وخفقت رايته في سمائها في الحملة الّتي خرجت من بلاد المغرب، عام 358 هـ، وكان جوهر على رأس جيشها الجرّار، فوصل مصر وأذاع فيها البيان الّذي أبرز فيه اسم المُعزّ ولقبه “أمير المؤمنين”، والّذي ضمن للمصريّين حقوقهم كاملةً من دون تفريق بين جنديّ ومدنيّ؛ مسلم ومسيحيّ، وكانت هذه سياسة المعزّ الّذي تميَّز حُكمه بالعدل؛ وعهده بالسّلام والطّمأنينة. وهكذا بدأ العهد الفاطميّ المُعزّيّ في مصر، في حين ظلّ المُعزّ جالسًا على كرسيّه في المنصوريّة يعالج شؤون دولته المغربيّة أربع سنوات حتّى عام 362 هـ.، وامتدّت الدّولة الفاطميّة الحديثة العهد في مصر من المحيط الأطلسيّ، غربًا، إلى البحر الأحمر، شرقًا، واقتربت بذلك من العالم الإسلاميّ الشّرقيّ.

أُقرّت الأُسس والتّدابير الجديدة لأنظمة الحُكم الفاطميّ في الدّيار المصريّة بموافقة الخليفة المُعزّ، ومنها أن قُسّمت مصر إلى أربع ولايات الواحدة منها مستقلّة عن الأُخرى: ولاية قوص (الصّعيد)، ولاية الشّرقيّة، ولاية المغربيّة، ولاية الإسكندريّة. ثمّ قُسّمت الولاية إلى ما يسمّى “الكورة”؛ وتعني المُديريّة، والكورة الواحدة تضمّ عدّة مدن وقرى. وجمع المُعزّ السُّلطات كلّها بين يديه كما أشرف على أجزاء الدّولة كافّةً؛ الدّولة الّتي أقامها على العلم والعقل والتّنوُّر وإصلاح المجتمع وتوفير الأمن والاستقرار والطّمأنينة. ويمكن القول بكلّ تأكيد إنّ المعزّ لدين الله الفاطميّ جاء وجمع بين الدّولة والدّعوة، فكانت له السُّلطتان الرّوحيّة والزّمنيّة، وأطاعته النّاس ليس خوفًا، بل محبّةً لنهجه ومعاملته الطّيّبة معهم من غير تمييز.

انتعش العمران وشيّدت المنشآت في عهد المُعزّ في بلاد مصر، فبنى جوهر الصّقلبيّ مدينة لتكون عاصمة الخلافة الفاطميّة، وتذكر المصادر أنّ المُعزّ أمر أن تُسمّى القاهرة، لقوله: “يا جوهر، ابنِ مدينة وسمِّها القاهرة، لأنّي سأقهر بها بني العبّاس”. مصادر أُخرى تقول إنّ حروف “القاهرة” بحسب حساب الجُمّل تأتي مطابقة لتاريخ تسلُّم المُعزّ شؤون الدّولة الفاطميّة (342 هـ.). وتؤكّد مصادر أُخرى أنّ تسمية العاصمة بالقاهرة مرجعها إلى ظاهرة فلكيّة؛ إذ وُضع أساس المدينة وقت طلوع كوكب المرّيخ أو كما يُسمّى “القاهر”. كما بنى جوهر قصر الخليفة المُعزّيّ فكان جاهزًا لمّا وصل المُعزّ لدين الله أرض مصر، وقد ضمّ العديد من دواوين الحكومة ودور السّلاح. وحين فرغ جوهر من تشييد الجامع الأزهر، عام 361 للهجرة، كتب على إحدى قبابه:

“بسم الله الرّحمن الرّحيم… ممّا أمر ببنائه عبد الله، ووليّه، أبو تميم مهد الإمام المُعزّ لدين الله… أمير المؤمنين… صلوات الله عليه، وعلى آبائه وأبنائه الأكرمين… على يد عبده جوهر الكاتب الصّقلّيّ وذلك في ستّين وثلاثمائة”.  

في نسخة من التّقويم الّذي أصدرته الحكومة المصريّة عن عام 1931 م. زعم شخص يُدعى مرقس سميكة باشا أنّ الخليفة المُعزّ لدين الله الفاطميّ ارتدّ عن الدّين الإسلاميّ ومات نصرانيًّا ودُفن في كنيسة أبي سفين، في مصر القديمة. غير أنّ نظرة باحثة-فاحصة في الأسفار التّاريخيّة الموثوق بأصحابها تكفي لدحض هذه الفكرة وتصنيفها ضمن الأساطير المزعومة، فلم يرد ذِكر تفصيل واحد منها في المصادر، وفوق ذلك أجمع المؤرّخون على تاريخ الخليفة المُعزّ لدين الله الّذي يؤكّد إسلامه الحقّ، على مذهب الفاطميّة، حتّى آخر يوم في حياته.[3]

لم تطل أيّام المُعزّ كثيرًا بعد النّصر العظيم الّذي حقّقه في المشرق، فلم تمضِ له في مصر ثلاث سنوات حتّى وافته المنيّة في عاصمتها، وكان ذلك في السّادس عشر من ربيع ثانٍ عام 365 هـ؛ الموافق الثّالث والعشرين من ديسمبر عام 975 م.، وكانت تلك سنوات قليلة في عددها؛ كثيرة في تأثيرها في حياة الدّولة الجديدة الّتي أمست مركزًا لبثّ الدّعوة الإسماعيليّة إلى أقطار العالم أجمع.

كان المُعزّ شخصيّة لامعة لم يغفل التّاريخ عن تتبُّع سيرتها وتدوين إنجازاتها خاصّةً فتح مصر وقيام الدّولة الفاطميّة الفتيّة فيها. مذ كان طفلًا تميّز بنجابته وقوّة قلبه وعزيمته، وشبّ على طلب العلم والمعرفة فكان عالمًا حكيمًا، لديه معرفة في علم الفلك والنّظر في النّجوم واهتمام بالعقيدة والفلسفة والأدب، وكانت مجالسه تفيض بالعلماء والأطبّاء والفنّانين. وفي خلافته كان حاكمًا عطوفًا، صبورًا على رعيّته، طيّب القلب ورحب الصّدر. اشتهر بإحلال العدل بين النّاس والإحسان إليهم، وبمقاومة الظّلم وبالتّمسّك بالقيم الإنسانيّة السّامية، فكان نهجه رشيدًا طوال فترة ولايته بشهادة التّاريخ والمؤرّخين.

_________________________________________

[1] اختار المُعزّ لدين الله جوهرًا الصّقلبيّ كاتبًا ووزيرًا ثمّ قائدًا لجيوشه، وكان قائدًا عبقريًّا ومدركًا لإدارة الجنود وسياستهم ولفنون القتال، ففتح مصر ووطّد أركانها، وأقام تعاليم الفاطميّين وأركانهم في ربوعها، ذلك كلّه بعد أن أخضع مراكش والجزائر وتونس وليبيا وصقلّيّة لدولة المُعزّ الفاطميّة، ثمّ فلسطين وبلاد الشّام والنّوبة والحجاز. وكان جوهر هو من وضع حجر أساس الجامع الأزهر وأقام دعائمه. 

[2] عارف تامر، المعزّ لدين الله الفاطميّ، واضع أسس الوحدة العربيّة الكبرى (بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1982)، ص. 106.

[3] للاستزادة حول الادّعاء الكاذب بنصرانيّة المُعزّ لدين الله، راجع كتاب: الخليفة المعزّ لدين الله، باني القاهرة ومنشئ الجامع الأزهر، ما كان مرتدًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. آل معروف، إميل عبّاس. تاريخ الموحّدين العلويّين في بلاد الشّام. استوكهولم: المكتب العلويّ العالميّ، ج. 1، د. ت..
  2. بيضون، إبراهيم. الفاطميّون: قراءة مختلفة في تاريخ ملتبس. بيروت: دار المؤلّف العربيّ، 2013.
  3. تامر، عارف. المعزّ لدين الله الفاطميّ، واضع أسس الوحدة العربيّة الكبرى. بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1982.
  4. حسن، حسن إبراهيم. الفاطميّون في مصر وأعمالهم السّياسيّة والدّينيّة. القاهرة: د. ن.: 1933.
  5. حسن، حسن إبراهيم. تاريخ الدّولة الفاطميّة في المغرب، ومصر، وسورية، وبلاد العرب. ط. 2؛ القاهرة: مكتبة النّهضة المصريّة، 1958.
  6. حسن، حسن إبراهيم؛ شرف، طه أحمد. المعزّ لدين الله. القاهرة: د. ن.: 1964.
  7. الأستاذ ح. الخليفة المعزّ لدين الله، باني القاهرة ومنشئ الجامع الأزهر، ما كان مرتدًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا. د. م.: د. ن.، د. ت..
  8. دو ساسي، م. لو. بوس سيلفستر. مدخل إلى ديانة الدّروز. دمشق: الدّار الوطنيّة الجديدة، 2011.
  9. طقّوش، محمّد سهيل. تاريخ الطّولونيّين والأخشيديّين والحمدانيّين. بيروت: دار النّقّاش، 2008.
  10. طقّوش، محمّد سهيل. تاريخ الفاطميّين في شمالي إفريقية ومصر وبلاد الشّام. بيروت: دار النّقّاش، 2001.
  11. المقريزي، تقيّ الدّين. اتّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطميّين الخلفاء. تحقيق: جمال الدّين الشّيّال ومحمّد حلمي محمّد أحمد. د. م.: المجلس الأعلى للشّؤون الإسلاميّة – لجنة إحياء التّراث الإسلاميّ، ج. 1، 1996.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה