توزيع الموحّدين الدّروز الجغرافيّ

توزيع الموحّدين الدّروز الجغرافيّ

يُشكّل الموحّدون الدّروز طائفةً دينيّةً ذات خصوصيّة في العالم العربيّ، ويمتدّ وجودهم عبر عدّة دول في الشّرق الأوسط، مع انتشار ملحوظ لجالياتهم في المهجر. ومع محدوديّة أعدادهم موازنةً بغيرهم من الطّوائف، فقد لعبوا دورًا محوريًّا في تاريخ المناطق الّتي استوطنوها، وأسهموا في تشكيل مجتمعاتهم سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.

يتوزّع الدّروز اليوم في أربعة تجمُّعات رئيسة: سورية، لبنان، إسرائيل والأردنّ، ويتميّزون بتمركُزهم في المناطق الجبليّة والرّيفيّة، ذلك عزّز تماسكهم الاجتماعيّ وحافظ على خصوصيّة هويّتهم طوال ألف عام ونيّف.

إلى جانب وجودهم في هذه البلدان، شهدت الطّائفة موجات هجرة متتالية منذ أواخر القرن الميلاديّ التّاسع عشر، أدّت إلى نشوء جاليات درزيّة في الأمريكتَين وأوروبّا، حافظت على روابطها مع الوطن الأمّ عبر تقاليدها الثّقافيّة والدّينيّة والتّواصل الدّائم بينهم.

في لبنان، يُقدّر عددهم بين 450,000 و-600,000 نسمة؛ أي: حوالي 5.2% من مُجمل السّكّان. يتمركزون في المناطق الرّيفيّة والجبليّة، شرق بيروت وجنوبها، ويتوزّعون على 136 قرية في حاصبيّا وراشيّا والشّوف وعاليه ومَرجعيون وبيروت، وهُم يشكّلون شريحة مؤثّرة سياسيًّا واجتماعيًّا؛ إذ شاركوا في تأسيس الدّولة اللّبنانيّة، ولهم ممثّلون في البرلمان والحكومة.

في سورية، تُشير التّقديرات التّقريبيّة إلى أنّ أبناء الطّائفة يُشكّلون حوالي 3.2% من مُجمل السّكّان؛ أي: ما بين 700,000 و-800,000 نسمة، في حين تزعم مصادر غير مؤكَّدة أنّ العدد قد يصل إلى نحو مليون نسمة، ولعلّ هذا التّقدير مُبالغ فيه. وهُم يتمركزون في المناطق الجبليّة، شرق دمشق وجنوبها، ويشكّلون الغالبيّة في محافظة السّويداء المعروفة بـِ-“جبل الدّروز”. لعِب الموحّدون في سورية دورًا بارزًا في مقاومة الانتداب الفرنسيّ (1922-1946 م.)، وكانوا في طليعة الثّورات الوطنيّة السّوريّة، بقيادة سلطان باشا الأطرش.[1]

أمّا في إسرائيل فيشكّل الموحّدون الأقلّيّة الدّينيّة الرّابعة، ويُقدَّر عددهم بحوالي 155,000 نسمة،[2] يتركّز غالبيّتهم شمالَ البلاد، في منطقتَي الجليل والكرمل. يتمتّعون بمكانة اجتماعيّة مميّزة؛ إذ يشاركون بفعّاليّة في مختلف جوانب الحياة العامّة، بما في ذلك مجالات السّياسة والاقتصاد والتّعليم، كما يؤدّون الخدمة العسكريّة للدّفاع عن الدّولة، ما يعكس اندماجهم في المجتمع الإسرائيليّ مع حفاظهم على هويّتهم التّراثيّة والتّوحيديّة.

وفي الأردنّ، كان للموحّدين الدّروز حضور منذ التّأسيس، وهُم يشكّلون أقلّيّة مذهبيّة صغيرة تُقدّر بنحو 30,000 نسمة،[3] يتركّز معظمهم في الجزء الشّماليّ-الغربيّ، خاصّةً في أمّ القُطّين[4] والأزرق. ومع إسهاماتهم في بناء الدّولة الأردنّيّة ومشاركتهم في مجالات متعدّدة، لم يُعترَف بهم على أنّهم طائفة دينيّة مستقلّة، ولم يتمتّعوا بحقوق الأقلّيّات أو التّمثيل الرّسميّ الّذي ناله غيرهم.[5]

إلى جانب هذه التّجمّعات الأربعة الرّئيسة، تنتشر جاليات درزيّة مهاجرة في مختلف أنحاء العالم، خصوصًا في الأمريكتَين وأوروبّا وأستراليا. وإلى هناك بدأت الهجرة الدّرزيّة، في مستوى الأفراد فلم تكن هجرات الدّروز جماعيّةً قطّ؛ في أواخر القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديَّين، حين غادر العديد من أبناء الطّائفة إلى الولايات المتّحدة، كندا، البرازيل وفنزويلّا، بحثًا عن فرص اقتصاديّة أفضل وهربًا من الاضطرابات السّياسيّة وثقل الضّرائب الّتي فرضتها الدّولة العثمانيّة في ذلك الوقت. ولاحقًا، حصلت موجات هجرة إضافيّة إلى دول أفريقيا وبلدان الشّرق الأقصى. ومع واقع البُعد الجغرافيّ، تبقى الجاليات الدّرزيّة في المهجر تحافظ على روابط وثيقة بأوطانها الأصليّة، من خلال زيارات متكرّرة وفعّاليّات دينيّة وثقافيّة تُعزّز انتماءهم وهويّتهم.[6]

يشكّل الموحّدون الدّروز في فنزويلّا واحدة من أكبر الجاليات الدّرزيّة في المهجر؛ إذ تعود أصولهم إلى بلاد الشّآم، وقد بدأت هجرتهم في أواخر القرن الميلاديّ التّاسع عشر واستمرّت حتّى منتصف القرن العشرين، مدفوعةً بأسباب اقتصاديّة وأحداث سياسيّة، خصوصًا سياسات الرّئيس السّوريّ، حينئذٍ، أديب الشّيشكلي (1949-1954 م.) المناهضة للدّروز. استقرّت أولى الموجات الدّرزيّة في فنزويلا قادمةً من جبل لبنان، ثمّ تلتها موجات من جبل الدّروز، في سورية، ومن إسرائيل، حتّى أصبح الدّروز يشكّلون ثلث المهاجرين السّوريّين في فنزويلّا آنذاك. ويُقدَّر عددهم اليوم بحوالي 200 ألف، ما يجعلهم الجالية الدّرزيّة الأكبر في المهجر. وقد اندمج المهاجرون الأوائل بالمجتمع الفنزويلّيّ؛ فالبعض منهم اعتنق المسيحيّة، فيما حافظت الغالبيّة على هويّتهم وقيَمهم الدّرزيّة.

حقّق دروز فنزويلّا نجاحات بارزة في مجالات عدّة، سيّما في السّياسة والاقتصاد، ومن بينهم طارق العيسميّ (وُلد عام 1974 م.) الّذي شغل منصب نائب الرّئيس الفنزويلّيّ بين عامَي 2017-2018 م.، وهو ينحدر من مدينة السّويداء السّوريّة الّتي تُعرف بِاسم “فنزويلّا الصغّيرة” نظرًا لأعداد السّوريّين الفنزويلّيّين الوافدين إليها. وتُفيد تقديرات السّفارة الفنزويلّيّة في دمشق بأنّ نحو 60% من سكّان السّويداء المدينة وُلدوا في فنزويلّا ويمتلكون جنسيّة مزدوجة.

إلى جانب الجالية الفنزويلّيّة، تُعدّ الجالية الدّرزيّة في الولايات المتّحدة وكندا من أقوى الجاليات الدّرزيّة في المهجر. وصل الدّروز إلى كندا في الفترة ذاتها الّتي وصلوا فيها إلى بقيّة دول أمريكا الشّماليّة والجنوبيّة، ويُقال إنّ أوّل درزيّ وصل إلى كندا كان قادمًا من حاصبيا عام 1890 م. وفي الولايات المتّحدة أُسِّست الجمعيّة الدّرزيّة الأمريكيّة الّتي تضمّ دروز الولايات الخمسين جميعهم، في حين ليس هناك جمعيّة عامّة لهم في كندا، بلّ جمعيّات محلّيّة في المدن الكبرى.

أمّا في البرازيل، فقد أسّس الدّروز جمعيّة درزيّة مركزيّة، بعد وصول أوائل المهاجرين الشّباب من لبنان، عام 1885 م.، حيث استقرّوا في ريو دي جانيرو والقرى المجاورة، ونجحوا في الاندماج السّريع في المجتمع المحلّيّ. وسرعان ما دعوا إخوانهم للهجرة إلى هذه البلاد الغنيّة بالموارد، واستطاعوا ترسيخ وجودهم فيها. وقد أسّس الدروز “البيت الدّرزيّ البرازيليّ” في مدينة ساو باولو، وبرز منهم وزراء، أعضاء في البرلمان، ومثقّفون، مثل: الشّيخ نجيب العسروايّ والشّاعر شكيب تقيّ الدّين وغيرهما.

بدأت الهجرة الدّرزيّة إلى أمريكا اللّاتينيّة في أوائل القرن الميلاديّ التّاسع عشر، حين استقرّ مهاجرون من سورية ولبنان في الأرجنتين، وحقّقوا نجاحات بارزة. في عشرينات القرن الميلاديّ العشرين لعب الأمير أمين أرسلان دورًا هامًّا في تنظيم الجالية الدّرزية هناك، فأسّس جمعيّة وبيتًا للجالية. وقد أسهمت هذه الجالية في دعم الثّورة السّوريّة الكبرى ماليًّا عام 1925 م..

أمّا في المكسيك فقد استقرّ عدد كبير من المهاجرين الدّروز وشكّلوا منظّمات، مثل: “الرّابطة الدّرزيّة”، “منظّمة الشّباب الدّروز”، و-“جمعيّة التّعاون الدّرزيّ”، ولم تزل البعض من هذه الجمعيّات فعّالّة حتّى اليوم.

في الإكوادور، استقرّ عدد من الشّباب الدّروز واشتركوا في الحياة السّياسيّة، ومن أبرز الشّخصيّات مؤخّرًا نذكر إيفون عبد الباقي الّتي انتُخبت عضوًا في البرلمان ثمّ رئيسة له، ورئيسة لاتّحاد برلمانات أمريكا الجنوبيّة، كما رُشّحت لمنصب سكرتيرة اليونسكو، ومع عدم فوزها، اختيرَت لتكون مندوبة للفائزة بالمنصب تقديرًا لكفاءتها.

وإلى أستراليا بدأت الهجرة الدّرزيّة في أواخر القرن الميلاديّ التّاسع عشر، وقد سُجِّل أنّ أوّل مهاجر درزيّ إليها كان يوسف النّجّار، من قرية بيت ميري في لبنان، الّذي وصل عام 1875 م. واستقرّ في مدينة أديلايد. برع في الزّراعة وتمكّن من استصلاح مساحات واسعة من الأراضي، وحقّق نجاحًا كبيرًا دفعه لدعوة أقاربه وأصدقائه للانضمام إليه. شجّعت الحكومة الأستراليّة هجرة الدّروز نظرًا إلى اجتهادهم وانضباطهم واحترامهم للقوانين وحُسن تعاملهم مع المجتمع. وقد أنشأت الجاليات الدّرزيّة في المدن الأستراليّة “البيت الدّرزيّ” ليكون مركزًا يجمع أفرادها في المناسبات المختلفة.

وإلى دول أوروبّا بدأت الهجرات الدّرزيّة الفرديّة منذ منتصف القرن الميلاديّ التّاسع عشر، غير إنّ جذورها تعود إلى الأمير فخر الدّين المعنيّ الثّاني الّذي كان قد لجأ إلى توسكانا، عام 1614 م.، حين عُرض عليه حُكم أراضٍ واسعة في إسبانيا، لكنّه رفض. في عام 1815 م.، أرسل الشّيخ بشير جنبلاط ابنه للدّراسة في لندن، لكنّه لم يتأقلم فعاد إلى بلاده.

أمّا الهجرة إلى أفريقيا فقد تأخّرت إلى ما بعد الحرب العالميّة الأولى، حين استقرّ مهاجرون دروز في دول أفريقيّة ونجحوا في مجالات التّجارة والخِدْمات، مستفيدين من حاجة القارّة إلى وسطاءَ وتجّار. وازدادت الجاليات الدّرزيّة ازدهارًا بعد استقلال الدّول الأفريقيّة في خمسينيّات القرن الميلاديّ العشرين؛ إذ برز أفرادها بوصفهم خبراءَ ورجال أعمال في نيجيريا وليبيريا وغانا وجنوب أفريقيا. إلّا أنّه مع تقدُّم الأفارقة وتعاظُم استقلالهم الاقتصاديّ، بدأت التّوتّرات ضدّ الأجانب، ما أدّى إلى تقلُّص هذه الجاليات مع مرور الوقت.

وعلى بُعد المسافات، يحافظ الموحّدون الدّروز في دول الانتشار على روابطهم مع وطنهم الأمّ، مُشكّلين نموذجًا للهجرة النّاجحة الّتي تجمع الاندماج في المجتمع الجديد مع الحفاظ على الهويّة الثّقافيّة والدّينيّة.

___________________________________________

[1] راجع:كريم خليل ثابت، الدّروز والثّورة السّوريّة وسيرة سلطان باشا الأطرش (القاهرة: د. ن.، 1925)؛عبد الرّحمن الشّهبندر، ثورة سورية الكبرى: أسرارها وعواملها ونتائجها (عمّان: دار الجزيرة للصّحافة والنّشر، 1953)؛ ريم منصور الأطرش، المذكّرات الحقيقيّة لسلطان باشا الأطرش: وثائق من أوراقه، من 1910 إلى 1989 (بيروت: دار أبعاد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021).

[2] “The Druze population in Israel – a collection of data on the occasion of the Prophet Shuaib holiday” (PDF). CBS – Israel.، دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة. 17 نيسان 2024. اطُّلع عليه في تاريخ 2024.11.29.

[3] راجِع: “الأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة في الأردنّ.. عامل إثراء ثقافيّ وفكريّ” (17 حزيران 2022)، موقع جفرا نيوز”، على الرّابط: https://jfranews.com.jo/.

[4] اشتهرت قديمًا بأشجار التّين، ومن هنا جاءت تسميتها “أم القُطّين”.

[5] عن دروز الأردنّ راجِع المقالة: “دروز الأردنّ… تاريخ ورجالات في الأزرق” (11 آب، 2023)، موقع “مجتمع الموحّدين الدّروز”، على الرّابط: https://kayan24.com/.

[6] فوّاز كمال؛ حافظ أبو المنى؛ نبيل أبو المنى، الموحّدون الدّروز في المهجر (طبعة خاصّة بمهجر ڨنزويلّا؛ د. م.: د. ن.، 1992).

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. ثابت، كريم خليل. الدّروز والثّورة السّوريّة وسيرة سلطان باشا الأطرش. القاهرة: د. ن.، 1925.
  2. الشّهبندر، عبد الرّحمن. ثورة سورية الكبرى: أسرارها وعواملها ونتائجها. عمّان: دار الجزيرة للصّحافة والنّشر، 1953.
  3. الأطرش، ريم منصور. المذكّرات الحقيقيّة لسلطان باشا الأطرش: وثائق من أوراقه، من 1910 إلى 1989. بيروت: دار أبعاد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021.
  4. دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة. 17 نيسان 2024. اطُّلع عليه في تاريخ 2024.11.29.
  5. “الأقلّيّات الدّينيّة والعرقيّة في الأردنّ.. عامل إثراء ثقافيّ وفكريّ” (17 حزيران 2022)، موقع “جفرا نيوز”، على الرّابط: https://jfranews.com.jo/.
  6. “دروز الأردنّ… تاريخ ورجالات في الأزرق” (11 آب، 2023)، موقع “مجتمع الموحّدين الدّروز”، على الرّابط: https://kayan24.com/.
  7. كمال، فوّاز؛ أبو المنى، حافظ؛ أبو المنى، نبيل. الموحّدون الدّروز في المهجر. طبعة خاصّة بمهجر ڨنزويلا؛ د. م.: د. ن.، 1992.
  8. ناطور، سميح. ” الدّروز في بلاد الانتشار (الاغتراب)”. العمامة 98، نيسان 2010. رابط.
  9. “الدّروز في فنزويلا” (2023، أيلول، 11)، في ويكيبيديا الموسوعة الحرّة. رابط.
  10. “The Druze population in Israel – a collection of data on the occasion of the Prophet Shuaib holiday” (PDF). CBS – Israel.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה