ثورة 1895-1897 في حوران

الاستقرار النّسبيّ في العلاقات الدّرزيّة مع السُّلطات العثمانيّة الّذي تحقّق في حوران بعد قمع ثورة الفلّاحين “العامّيّة”، عام 1890 م.، انهار في بداية عام 1893 م. مع وفاة حاكم جبل حوران، القائمقام إبراهيم الأطرش. إبراهيم الّذي عاد من زيارة إلى إسطنبول، برفقة الشّيخ سطّام الشّعلان، شيخ قبيلة “الرّولة”، حيث التقيا شخصيًّا السّلطان عبد الحميد الثّاني؛ حصل على اللّقب العثمانيّ “باشا” وكان حاكم حوران منذ وفاة والده، إسماعيل الأطرش، عام 1869 م.. شبلي الأطرش، شقيق إبراهيم باشا، كان زعيمًا يتمتّع بشعبيّة وجاذبيّة أكبر في حوران، وكان يقود بانتظام الخطّ المعارض للإصلاحات العثمانيّة في الجبل. بشكل عامّ، كان الصّراع الرّئيس بين الموحّدين الدّروز والعثمانيّين في حوران حول مسائل الضّريبة والتّجنيد الإجباري للجيش العثمانيّ.

بعد وفاة إبراهيم سعى والي سورية، رؤوف باشا، إلى تجنُّب تعيين شبلي في منصب قائمقام، بسبب تمردّه الّذي انعكس، فيما انعكس، في رفضه دعوته إلى زيارة السُّلطان مع أخيه، فعيّن الوالي بدلًا منه محمود بك الغازي في هذا المنصب بشكل مؤقّت. كان ردّ شبلي التّحالف مع قبيلة “بنو صخر” الّتي هاجمت قافلة الحُجّاج الأخيرة، بهدف منع التّعاون مع السُّلطات العثمانيّة. ردًّا على ذلك أمر الوالي باعتقال شبلي، في أوائل تشرين أوّل عام 1893 م. شقيق شبلي، يحيى الأطرش، قاد قوّة درزيّة هاجمت قوّة الجَنْدَرْمة (الدَّرَك) الّتي أُرسلت لاعتقال شبلي، وهرّبه إلى المزرعة، ثمّ قطع تواصل الحامية العسكريّة العثمانيّة في السّويداء عن دمشق. وبعد المفاوضات توقّف الحصار، وعزل الوالي محمود بك الغازي وعيّن مكانه يوسف باشا الخالديّ في منصب قائمقام حوران.

رضا الدّروز في جبل حوران عن هذا الاتّفاق لم يدم طويلًا. طوال عام 1894 م. وقعت اشتباكات عنيفة بين الجنود الدّروز والعثمانيّين في أنحاء حوران، والقائمقام، يوسف باشا، أفاد بأنّه وقع رهينة في أيديهم. كانت الحكومة المركزيّة منشغلة بقمع الأرمن في شرق الأناضول الّذي سرعان ما تحوّل إلى بداية إبادة جماعيّة لهؤلاء، الأمر الّذي قيّد ردود الحكومة على حوران. في نهاية عام 1894 م. عُيّن عثمان نوري باشا بدلًا من رؤوف باشا في منصب والي، وعلى الفور غيّر السّياسة تُجاه الدّروز. نُصّب شبلي ليكون قائمقام جبل حوران وقوبل مطلبه بالإيجاب بالعفو عن الشّيوخ الّذين نُفوا إلى جزيرة رودس في ثورة 1890 م.، فعادوا جميعًا إلى حوران بحلول شهر آذار من عام 1895 م..

مع ذلك، استمرّت الاضطرابات في حوران طوال ذلك العام، بسبب عدم الاعتراف بقيادة شبلي، الّتي كانت، مثل عائلات حوران، متعاونة مع العثمانيّين منذ لحظة تنصيبه. علاوةً على ذلك فإنّ أحداث الإبادة الجماعيّة للأرمن، في شرق الأناضول، عزّزت الاضطرابات الّتي تحوّلت، تدريجيًّا، إلى فوضى في أنحاء سورية الكبرى كافّةً. في نهاية عام 1895 م.، نفّذ جماعات من الشّركس والقبائل البدويّة والأكراد سلسلة هجمات على القرى الدّرزيّة في حوران. ردًّا على تلك الاعتداءات هاجم الدروز 12 قرية إسلاميّة في حوران وأثاروا ردّ فعل الحكومة المركزيّة بتجنيد كتائب الاحتياط بأكملها التّابعة للجيش الخامس، وكانت تشمل 64 ألف جنديّ لشنّ حملة عقابيّة ضدّ الدّروز في حوران. إضافةً إلى ذلك أُرسلت تعزيزات قوامها 30 ألف جنديّ من الجيش الثّالث إلى سالونيك الّتي احتلّت السّويداء وقمعت المقاومة الدّرزيّة.

كان احتلال السّويداء نهاية للحملة الحربيّة، مثلما حدث في عام 1890 م.، غير أنّ استعادة النّظام كانت مسألة أكثر تعقيدًا. ظلّت القوّات منتشرة في الميدان بِصِفتها حاميات عسكريّة، وقد صعّب الوضع الاقتصاديّ السّيّئ الّذي عانته الإمبراطورية إمكانيّة إيصال الإمدادات إليها. ومع ذلك، خلال سلسلة من المداهمات اعتُقل 1,000 من الرّجال الدّروز في دمشق، من بينهم عشرات المشايخ، بمن فيهم شبلي ويحيى الأطرش، واستولى على مئات من بنادق الصّمع (مارتيني) في حوزة الدّروز. معظم المعتقلين جُنّدوا على الفور وأُرسلوا إلى جزيرة كريت، ونُفي الشّيوخ وبقيّة المعتقَلين إلى عدّة مدن في أنحاء الإمبراطوريّة: رودس، أنقرة وطرابلس الغرب، وأُرسل كبار السّنّ منهم إلى بيوتهم. عُيّن رشدي باشا الشّركسيّ في منصب قائمقام جبل حوران، بدلًا من شبلي، وشرع في تطبيق بنود اتّفاقيّة استسلام الدّروز لعام 1895 م.. ومع ذلك فقد كان التّفاهم بين الأطراف هشًّا، وفي نهاية حزيران عام 1896 م. هاجم المقاتلون الدّروز، من جديد، الحامية العسكريّة العثمانيّة المرابطة في السّويداء. وعلى الفور حشدت الحكومة المركزيّة القوّات كلّها الّتي حاربت في حملة الشّتاء وعزّزتها بكتائب إضافيّة من شمال إفريقيا. وفي معركة ضمّت 25 ألف جنديّ عثمانيّ مقابل أقلّ من 10 آلاف جنديّ درزيّ، حُسمت معركة ثانية في السّويداء في عمليّة تضمّنت قصفًا مدفعيًّا على البلدة.

في هذه المرحلة أُرسلت لجنة إصلاح إلى حوران من أجل تغيير علاقات الدّولة مع الدّروز في حوران بشكل جذريّ، ومع ذلك فقد استمرّ العديد من المقاتلين الدّروز في القتال، ففرّوا إلى اللّجاة ولم يقبلوا محاولات التّفاوض الإضافيّة من طرف الشّيوخ الّذين اعترفوا بنتائج المعركة. في سلسلة مداهمات على المعسكرات وهجمات على قوافل إمداد الجيش، من منطقة اللّجاة، تمكّن المقاتلون الدّروز من إلحاق أضرار كبيرة بالقوّات في الميدان. وردًّا على ذلك قاد القائد الجديد للجيش الخامس، عبد الله باشا، هجومًا شاملًا على قرى حوران كافّةً. أكثر من 2,000 درزي، من بيمهم 400 من النّساء والأطفال، قُتلوا في هذا الهجوم، وجُنّد على الفور أكثر من 1,000 معتقَل في صفوف الجيش وأُرسلوا إلى جزيرة كريت. كان هذا أعنف هجوم عرفه دروز حوران على الإطلاق، وقد جعل العلاقات بين الدّروز والحكومة العثمانيّة المركزيّة، الّتي كانت مستعدّة لتستثمر موارد هائلة في هذه الحملة الحربيّة، ترسو على قواعد جديدة قلّصت كثيرًا من استقلاليّة الدّروز في الجبل، وبقيت هذه القواعد قائمة لسنوات عديدة أُخرى. لاحقًا، أُعيد الشّيوخ والمعتقلون المنفيّون إلى حوران، عام 1900 م.، بمناسبة الذّكرى الخامسة والعشرين لتولّي السّلطان عبد الحميد دفّة السُّلطة.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. Birgit Schäbler. Aufstände Im Drusenbergland Ethnizität Und Integration Einer Ländlichen Gesellschaft Syriens Vom Osmanischen Reich Bis Zur Staatlichen Unabhängigkeit. Gotha: Perthes, 1996.
  2. Firro, Kais. A History of the Druzes. Leiden: Brill, 1991.
  3. Gross, Max L. “Ottoman Rule in the Province of Damascus, 1860-1909.” Unpublished Dissertation, Georgetown University, 1979.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה