جبل الدّروز

من أبرز المناطق الجغرافيّة والتّاريخيّة في جنوب سورية، جبل الدّروز الّذي يمثّل رمزًا حيًّا لهويّة الطّائفة الدّرزيّة بكلّ ما تحمله من أبعاد ثقافيّة واجتماعيّة. على مرّ العصور، شكّل هذا الجبل ملاذًا طبيعيًّا ومركزًا للنّشاط السّياسيّ والاجتماعيّ، وشهد أحداثًا مفصليّة، بدءًا من العصور القديمة، مرورًا بالحقبة العثمانيّة والانتداب الفرنسيّ، وصولًا إلى العصر الحديث. اليوم، يستمرّ الجبل في الحفاظ على دوره بوصفه محورًا للحياة الدّينيّة والثّقافيّة، متجذّرًا في الماضي ومجسّدًا معانيه في الحاضر. يهدف هذا النّصّ الموسوعيّ إلى استعراض جوانب جبل الدّروز المتنوّعة، من موقعه الجغرافيّ وتاريخه إلى أدواره المحوريّة الّتي جعلته مصدر إلهام دائم للأجيال.

الطّبيعة، التّضاريس والموقع الجغرافيّ

يقع جبل الدّروز في جنوب سورية، ممتدًّا على مساحة تبلغ حوالي 6,000 كيلومتر مربّع، وهو يعدّ من أبرز المعالم الجغرافيّة في المنطقة. يتميّز الجبل بموقعه الاستراتيجيّ القريب من الحدود الأردنّيّة، مم يجعله نقطة اتّصال ثقافيّ وجغرافيّ بين سورية والأقاليم المجاورة، ويمتد على مساحة واسعة تشمل العديد من البلدات والقرى، أبرزها السّويداء، عاصمة المنطقة، وصلخد وشهبا اللّتان تشتهران بمواقعهما الأثريّة والتّاريخيّة. بتضاريسه المتنوّعة الّتي تجمع بين القمم الشّاهقة، مثل: قمّة جبل العرب الّتي يصل ارتفاعها إلى أكثر من 1,800 متر فوق مستوى سطح البحر، والوديان والسّهول الّتي تُضفي على المنطقة طبيعة ساحرة؛ يعدّ الجبل لوحةً طبيعيّةً مميّزة.

تُربته البركانيّة الخصبة أسهمت في ازدهار الزّراعة؛ إذ تُزرع فيها محاصيل متنوّعة، مثل: العنب، والتّفّاح، والزّيتون، الّتي تشكّل جزءًا هامًّا من اقتصاد السّكّان المحلّيّين، إضافةً إلى المزروعات الموسميّة، مثل: القمح والشّعير والخضروات بأنواعها. أمّا الغطاء النّباتيّ فيتنوّع بين أشجار حرجيّة، مثل: السّنديان والبطم، ونباتات عشبيّة تستخدم في الرّعي، ما يعكس ثراء بيئته الطّبيعيّة. ويشتهر الجبل بوجود ينابيع مياه عذبة تشكّل شرايين الحياة فيه، مثل: عين الزّمان وعين الصّفا، الّتي تظلّ مصدرًا أساسيًّا لدعم الحياة والزّراعة في المنطقة.

التّاريخ القديم والمعاصر

يحمل جبل الدّروز إرثًا تاريخيًّا عريقًا يمتدّ لآلاف السّنين، ويُعدّ اسمه انعكاسًا للتّحوّلات التّاريخيّة والثّقافيّة الّتي شهدها. عُرف الجبل بتسميات متعدّدة عبر العصور، منها: “جبل باشان”، في الحقبة الكنعانيّة؛ و-“جبل حوران”، خلال الفترة الرّومانيّة. أمّا تسميته بـِ-“جبل الدّروز” فقد برزت في العصور الوسطى مع استقرار الطّائفة الدّرزيّة في المنطقة، ليصبح رمزًا لهويّتها الدّينيّة والثّقافيّة.

مرّ الجبل بمراحل تاريخيّة متعاقبة، فقد شهد في العصور القديمة استقرار حضارات مختلفة تركت بصماتها في المواقع الأثريّة المنتشرة في بلداته، مثل: المعابد الرّومانيّة في شهبا، والنّقوش القديمة في صلخد. خلال الحقبة العثمانيّة، اكتسب الجبل أهمّيّة استراتيجيّة بسبب موقعه ومكانة سكّانه في النّسيج السّياسيّ والاجتماعيّ للمنطقة.

في العصر الحديث، لعب جبل الدّروز دورًا محوريًّا في مقاومة الانتداب الفرنسيّ؛ إذ كان مركزًا للثّورة السّوريّة الكبرى، بقيادة المغفور له سلطان باشا الأطرش. قاد أهل الجبل هذه الثّورة الّتي اندلعت عام 1925 م.، فكانوا رمزًا للصّمود في وجه الاحتلال. ولم تزل هذه الفترة تُخلّد بوصفها واحدةً من أبرز المحطّات البطوليّة في تاريخ الجبل وسورية، على حدّ سواء.

وفي أيّامنا الحاضرة، يواصل جبل الدّروز الحفاظ على هويّته الثّقافيّة والاجتماعيّة، مع إمكانات كبيرة لتعزيز التّنمية المحلّيّة وحماية التّراث الثّقافيّ. ومع التّحدّيات كلّها الّتي مرّت بها البلاد، ظلّ الجبل رمزًا للاستقرار النّسبيّ والتّماسك الاجتماعيّ؛ إذ يركّز أهله على دعم بعضهم بعضًا خلال الأزمات. كما يمثّل الجبل بيئة غنيّة يمكن من خلالها ربط الأجيال الشّابّة بتاريخهم وهويّتهم، مع العمل على مواكبة التّحوّلات الحديثة الّتي قد تُسهم في تطوير مستقبل المنطقة وسكّانها.

الدّيموغرافيا والسّكّان

يشكّل الجبل موطنًا رئيسًا للطّائفة الدّرزيّة في سورية، مع وجود أقلّيّات من المسيحيّين العرب تُسهم في إثراء النّسيج الثّقافيّ والاجتماعيّ للمنطقة. يتوزّع السّكّان بين مدن وبلدات عدّة، أبرزها السّويداء، العاصمة الإداريّة للمحافظة وأكبر مدينة درزيّة في العالم وعاصمة جبل الدّروز، الّتي يبلغ عدد سكّانها حوالي 87,000 نسمة، غالبيّتهم من الدّروز، إلى جانب أقلّيّة مسيحيّة. وفقًا لإحصاءات الانتداب الفرنسيّ في عامَي 1921-1922 م.، كان عدد سكّان الجبل حوالي 50,700 نسمة، منهم 43,000 من الموحّدين الدّروز (84.8%)، و-7,000 من المسيحيّين (13.8%)، و-700 من المسلمين السّنّة (1.4%). أمّا في الوقت الحاليّ فيُعتقد أنّ الدّروز يشكّلون ما يقدَّر بنحو 3.2% من سكّان سورية؛ أي: بين 700,000 إلى 800,000 نسمة. يُشار إلى أنّ مدينة السّويداء تأسّست في القرن الميلاديّ الثّامن عشر مع استقرار الطّائفة الدّرزيّة في المنطقة. وفي عام 1921 م.، أعلن الانتداب الفرنسيّ قيام “دولة جبل الدّروز”، واتّخذت السّويداء مقرًّا للحكومة؛ إذ أُنشئت فيها مؤسّسات رسميّة كالبرلمان والوزارات والمحاكم. لم تدم هذه الدّولة طويلًا مع اندلاع الثّورة السّوريّة الكبرى بقيادة سلطان باشا، غير إنّ السّويداء ظلّت عاصمة الجبل ومركزًا رئيسًا للدّروز في سورية.

شهد الجبل، عبر تاريخه الطّويل، تحوُّلات ديموغرافيّة كبيرة. في نهاية القرن الميلاديّ السّابع عشر، بدأت موجات هجرة الدّروز من منطقة جبل لبنان إلى جبل حوران، وهو الاسم الّذي كان يُطلق على جبل الدّروز في تلك الفترة. استمرّت هذه الهجرات في القرن الميلاديّ التّاسع عشر عقب الأحداث الدّامية الّتي عصفت بالطّائفة بين عامَي 1840 و-1860 م.. أسهمت هذه الهجرات في ترسيخ وجود الطّائفة الدّرزيّة في المنطقة، وتحوّلت البنية الاجتماعيّة تدريجيًّا من مجتمع زراعيّ يعتمد على الزّراعة والرّعي إلى مجتمع أكثر تنوّعًا في أنشطته الاقتصاديّة والتّعليميّة.

في العقود الأخيرة، تأثّرت تركيبة الجبل السّكّانيّة بعوامل عدّة، أبرزها الهجرة والنّزوح. بحثًا عن فُرص اقتصاديّة وتعليميّة هاجر العديد من أبناء الجبل إلى دول، مثل: لبنان ودول الخليج العربيّ وأمريكا اللّاتينيّة، ما أدّى إلى تقليص نسبة الشّباب في المنطقة. على الجانب الآخر، استقبل الجبل أعدادًا كبيرة من النّازحين داخليًّا نتيجة للصّراع في سورية، ما فرض ضغوطًا إضافيّة على موارده وبنيته التّحتيّة. ومع ذلك، لم يزل سكّان الجبل يحتفظون بتقاليدهم وروابطهم الاجتماعيّة القويّة الّتي تشكّل عمودًا فقريًّا للحفاظ على هويّتهم واستقرار مجتمعهم في وجه التّحدّيات.

الثّقافة والتّراث

تُعدّ الثّقافة والتّراث من العناصر الأساسيّة التي تميّز جبل الدّروز؛ إذ تعكس العادات والتّقاليد روح المجتمع الدّرزيّ وعمقه التّاريخيّ. يشتهر أهل الجبل بالعديد من التّقاليد الاجتماعيّة، مثل: الكرم والمروءة وإكرام الضّيف، إلى جانب الاحتفالات الّتي تُعقد في المناسبات الدّينيّة والاجتماعيّة، والّتي تُبرز الأواصر القويّة بين أفراد المجتمع. أمّا التّراث الشّعبيّ فيتمثّل في الأغاني والأشعار التّراثيّة الّتي تُردَّد في المناسبات، مثل: الأعراس والمناسبات الوطنيّة. تُبرز هذه الفنون الغنيّة قيم الشّجاعة والكرم والمروءة، كما تُسهم المأكولات التّقليديّة، مثل: المناسف والأقراص، في إبراز هويّة الجبل الثّقافيّة. كما يزخر الجبل بعدد من المقامات الدّينيّة ذات القيمة الرّوحانيّة والتّاريخيّة الكبيرة، ومن أبرز هذه المقامات نذكر: مقام النّبيّ أيّوب، عليه السّلام، الّذي يُعدّ من المواقع ذات الرّمزيّة الرّوحانيّة العميقة، بالإضافة إلى مقام السّتّ سارة، رضي الله عنها، الّذي يرتبط بإحدى الشّخصيّات الدّينيّة الهامّة في التراث التّوحيديّ.

التّحدّيات الحديثة

شهد جبل الدّروز، كغيره من مناطق سورية، تأثيرات كبيرة جرّاء الحروب والنّزاعات الّتي عصفت بالبلاد خلال العقد الأخير. أدّت هذه الصّراعات إلى نزوح عدد كبير من السّكّان من المناطق المجاورة إلى الجبل، ما شكّل ضغطًا إضافيًّا على موارده المحلّيّة وبنيته التّحتيّة. كما أثّرت هذه الأحداث في البنية الاجتماعيّة؛ إذ دفعت الظّروف الاقتصاديّة الصّعبة العديد من سكّان الجبل، خاصّةً الشّباب، إلى الهجرة الدّاخليّة والخارجيّة بحثًا عن فرص أفضل، الأمر الّذي ترك أثرًا في التّماسك الاجتماعيّ والتّركيبة السّكّانيّة.

إلى جانب ذلك، تواجه المنطقة تحدّيات بيئيّة متزايدة، تتمثّل في الاستنزاف التّدريجيّ للموارد الطّبيعية نتيجة التّوسّع العمرانيّ العشوائيّ والاستخدام المكثّف للأراضي الزّراعيّة. كما تعاني البنية التّحتيّة، في البعض من مناطق الجبل، تدهورًا ملحوظًا، ما يستدعي وضع خطط شاملة لتطويرها من أجل تلبية احتياجات السّكّان المتزايدة.

* * *

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. أبي راشد، حنّا. جبل الدّروز: بحث في تاريخ بني معروف، وأخلاقهم، ونسبهم، وعاداتهم، واعتقاداتهم، ونوادرهم، وآثارهم، وحروبهم. د. م.: مكتبة زيدان العموميّة، 1925.
  2. خلف، تيسير. لعنة جبل الدّروز… من إبراهيم باشا إلى أديب الشّيشكلي. بيروت: دار السّاقي، 2021.
  3. أبي راشد، حنّا. جبل الدّروز؛ حوران الدّامية. د. م.: مكتبة الفكر العربيّ، 1961.
  4. الشّوفاني، كمال. مذكّرات غيرترود بل في جبل الدّروز. دمشق: منشورات الهيئة العامّة السّوريّة للكتاب، 2015.
  5. شيبلر، بريجيت. انتفاضات جبل الدّروز – حوران، من العهد العثمانيّ إلى دولة الاستقلال 1850-1949. بيروت: دار النّهار للنّشر، 2004.
  6. القاضي، نبيه. انتفاضة العامّيّة في جبل حوران (الدّروز) منذ إعادة إعماره حتّى عام 1891. دمشق: دار الفكر، 1991.
  7. كيّوف، كمال. “هجرة الموحّدين الدّروز إلى جبل حوران”. موقع معهد أبحاث مركز التّراث الدّرزيّ في إسرائيل: dhc.org.il
  8. ماسكل، جوزيف. جبل الدّروز: دراسة تاريخيّة. بيروت: دار الجيل، 2006.
  9. المقصقص، خالد صالح عبد الغنيّ. حكومة جبل الدّروز في عهد الانتداب الفرنسيّ 1921 – 1943 م. رسالة ماجستير، إربد: جامعة اليرموك، 1999.
  10. Betts, Robert Brenton. The Druze. New Haven: Yale University Press, 1988
  11. Firro, Kais. A History of the Druzes. Leiden: Brill Academic Publishers, 1992
  12. Khuri, Fuad I. Being a Druze. London: Druze Heritage Foundation, 2004
  13. Harris, William. The Levant: A Fractured Mosaic. Princeton: Markus Wiener Publishers, 2003

 

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה