تقع عين الأسد، وهي قرية درزيّة، في الجنوب الشّرقيّ من قرية بيت جنّ التّابعة لقضاء عكّا، وإلى الشّرق من قرية الرّامة، على ارتفاع يبلغ حوالي 570 مترًا فوق سطح البحر. تتميّز بموقعها الجغرافيّ الّذي يبرز فيه مشهد الطّبيعة الجبليّة الخلّابة.
وَفقًا للإحصاءات الرّسميّة لعام 1945 م.، بلغ عدد سكّان عين الأسد وبيت جنّ معًا حوالي 1640نسمة، جميعهم من أبناء الطّائفة المعروفيّة، وكان نصيب عين الأسد من هذا العدد حوالي 120 شخصًا. امتلكت القريتان معًا ما يقارب 43,550 دونمًا من الأراضي، وَفقًا لدائرة مسح الأراضي والسّكّان الرّسميّة. وتنوّعت استخدامات هذه الأراضي بين الزّراعة والرّعي والاستخدامات العمرانيّة، ما يعكس النّشاط الاقتصاديّ الّذي اعتمد، بشكل كبير، على الطّبيعة المحلّيّة. في عام 1945، خُصِّص: 2,530 دونمًا للأراضي المزروعة والقابلة للرّيّ؛ 7,406 دونمًا لزراعة الحبوب؛ و-67 دونمًا للأراضي العمرانيّة المبنيّة. كما كان لشجرة الزّيتون دور بارز في الزّراعة المحلّيّة؛ إذ خُصِّصت مساحات واسعة لزراعتها، لتكون مصدرًا هامًّا للرّزق والغذاء لسكّان القرية. عكست هذه الأنشطة الزّراعيّة ارتباط سكّان القرية بالأرض واعتمادهم عليها بوصفها مصدرًا أساسيًّا للعيش.
ارتبط اسم عين الأسد بحكايات شعبيّة ذات طابع روحانيّ، ما أضفى على القرية لمسة من القداسة والغموض. يُقال إنّ الاسم يعود إلى حادثة وقعت حين زار الشّيخ محمّد عبد القادر الجيلانيّ المنطقة. خلال وجوده هناك، توضّأ الشّيخ من ماء عين في القرية، وفي أثناء ذلك خرج أسد من غابات عين الأسد وافترس حماره. بعد أن انتهى الشّيخ من صلاته، توجّه نحو الأسد بثقة رجُل من أهل الكرامات، وامتطاه كما يُمتطى الفرس الذّلول، كأنّ الأسد نسي غريزة الافتراس تحت تأثير هيبة الشّيخ. ولمّا بلغ الشّيخ إلى صفد أذهَل أهلها بهذا المشهد العجيب، واستقبلوه باحترام وإجلال، ونزل ضيفًا على الوالي التّركيّ. هناك رواية أُخرى تقول إن قرية عين الأسد سمّيت على اسم ينبوع يقع خارج القرية.
وعلى صغر حجمها، حملت عين الأسد مكانة هامّة بين القرى الدّرزيّة في الجليل. احتفظ سكّانها بأسلوب حياة تقليديّ يعكس القيم الدّرزيّة الرّاسخة، وامتازوا بروح التّعاون والتّكاتف الّتي ميّزت المجتمعات المحلّيّة، في تلك الفترة. ظلّت عين الأسد نموذجًا للقرية الدّرزيّة البسيطة الّتي تجمع بين التّراث والتّاريخ، من جهة، والتّكيُّف مع ظروفها الطّبيعيّة والاقتصاديّة، من جهة أُخرى.
شهدت قرية عين الأسد نموًّا تدريجيًّا في عدد سكّانها على مرّ العقود، ففي عام 1922 م. بلغ عدد سكّانها حوالي 48 نسمة، وارتفع العدد إلى 81 نسمة في عام 1931 م.، ثمّ إلى 120 نسمة في عام 1945 م.. ومع حلول عام 1948 م. قُدّر عدد سكّان القرية بحوالي 129 نسمة، في حين تضاعف هذا العدد في عام 1961 م. ليصل إلى 250 نسمة. وبحلول عام 2018 بلغ عدد سكّان عين الأسد حوالي 872 نسمة، معظمهم من أبناء الطّائفة الدّرزيّة.
قبل عام 1948 م. لم تكن عين الأسد قرية مستقلّة إداريًّا؛ إذ كانت أراضيها تُحسَب ضمن أراضي قرية بيت جنّ الّتي كانت القرية تابعة لها إداريًّا وجغرافيًّا. كانت بيت جنّ وعين الأسد تتبعان قضاء عكّا، في لواء الجليل، وكانتا من بين القرى الّتي امتلكت مساحات شاسعة من الأراضي، تفوق ما كان يمتلكه السّكّان اليهود، في ذلك الوقت.
اشتهر سكّان عين الأسد وبيت جنّ بصناعة الزِّقاق الجلديّة[1] الّتي كانت تُعدّ من الحِرف التّقليديّة الهامّة. وُصفت القريتان بأنّهما كانتا تقعان شرقَ قرية البُقيعة، ما جعلهما جزءًا من شبكة اقتصاديّة واجتماعيّة مترابطة في الجليل.
في عام 1912 م.، طلب الشّيخ أبو محمّد صالح من أحد البنّائين المهرة من قرية الرّامة المجاورة أن يبني العقد (القنطرة) فوق العين، وهو بناء يُعدّ من المعالم الهامّة الّتي ارتبطت بتاريخ قرية عين الأسد. في وقت لاحق، أخذت اللّجنة المحلّيّة على عاتقها تحديث القنطرة، فقامت بتغيير البناء الأصليّ واستبداله بأحجار حديثة أكثر قوّة وصلابة.
عام 1949 م. استقرّت في عين الأسد العديد من العائلات العربيّة المسلمة الّتي رُحِّلت من قرية الفرّاضة المجاورة، ذلك أضاف بعدًا ديموغرافيًّا جديدًا للقرية الّتي تظلّ، حتّى اليوم، شاهدةً على التّحوّلات السّكّانيّة والاقتصاديّة الّتي مرّ بها الجليل خلال العقود الماضية، مع حفاظها على هويّتها وتراثها المميّز.
خلوة عين الأسد
تأسّست عام 1911 م.، لتكون مركزًا دينيًّا يجمع شيوخ الدّين وأهالي القرية، بعد أن كانوا يجتمعون للصّلاة في بيت الشّيخ أبي محمّد صالح بدر، لعدم وجود خلوة حينها. بادر الشّيخ صالح بدر، عام 1914 م.، بالتّبرّع بقطعة أرض لبناء الخلوة، مستعينًا بدعم الشّيخ أبي محمّد سلمان الحلّاج، وأسهم أهالي القرية بالتّبرّع بالأموال وموادّ البناء لإنجاز هذا المشروع. افتُتحت الخلوة وأصبحت مركزًا روحانيًّا واجتماعيًّا، تحت إدارة الشّيخين؛ صالح بدر وسلمان الحلّاج، اللّذين تولّيا شؤونها بحرص وتفانٍ.
عقب وفاة الشّيخ صالح بدر، عام 1965 م.، استمرّ الشّيخ سلمان الحلّاج في إدارة الخلوة، حتّى تقرّر بناء خلوة جديدة تتناسب مع تطوّرات القرية واحتياجات سكّانها المتزايدة. تبرّع الشّيخ أبو محمّد سلمان الحلّاج بقطعة أرض في المنطقة الغربيّة من القرية، لبناء الخلوة الجديدة الّتي افتُتحت عام 1988 م.، وأوكِلت مهمّة السّائس إلى الشّيخ أبي صالح محمّد بدر، في حين أشرف الشّيخ أبو سلمان محمّد حلّاج على إدارة الوقف حتّى وفاته عام 2000 م.، وبعد ذلك استلم الشّيخ أبو أحمد حلّاج مهامّ الإدارة، ولاحقًا تولّى الشّيخ أبو إحسان نزيه مراد منصب الإمام، وواصلت الخلوة دورها مركزًا للعبادة ومكانًا يجمع أهالي القرية للحفاظ على القيم الرّوحانيّة والاجتماعيّة الّتي تميّز الطّائفة الدّرزيّة.
تشييد مزار الشّيخ أبي محمّد صالح الكحّال (الجرمانيّ) في القرية
جاء تشييد المزار مبادرةً روحانيّة وتاريخيّة لتعزيز الارتباط بالموروث الدّينيّ والثّقافيّ للطّائفة الدّرزيّة. بتوجيه من فضيلة الشّيخ موفّق طريف، الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة الدّرزيّة في إسرائيل، تقرّر تشييد هذا المزار تخليدًا لزيارة سيّدنا الشّيخ الجليل أبي محمّد صالح الكحّال، المعروف بالجرمانيّ، إلى موقع قرية عين الأسد، في أوائل سبعينيّات القرن التّاسع عشر الميلاديّ. وُضِعت التّصاميم المناسبة ورُصِدت الميزانيّات اللّازمة للمباشرة بأعمال البناء، ليكون المزار شاهدًا على مكانة الشّيخ الرّفيعة وتاريخ زيارته الهامّة. وفي يوم 14 أيّار 2011، شهدت القرية حدثًا مميّزًا حين توافد مئات المشايخ من قرى الجليل والكرمل والجولان للاشتراك في تدشين هذا المزار، يتقدّمهم الرّئيس الرّوحيّ للطّائفة، الشّيخ موفّق طريف. حظي مزار الشّيخ أبي محمّد صالح الكحّال باحترام وتقدير كبيرَين لما يمثّله من رمزيّة دينيّة ومكانة تاريخيّة، ليصبح وجهة يقصدها أبناء الطائفة، يعبّرون فيها عن تقديرهم لرموزهم الدّينيّة والتزامهم بحفظ تراثهم الرّوحانيّ.
قرية عين الأسد، اليوم، تعدّ جزءًا من سُلطة مجلس “ميروم هجليل” الإقليميّ. وَفقًا لإحصاءات عام 2018 م.، بلغ عدد سكّان القرية حوالي 872 نسمة، غالبيّتهم من أبناء طائفة الموحّدين الدّروز.
تحتضن القرية خلوة أُقيمت عام 1984 م.، لتكون دار عبادة لأبناء الطّائفة الدّرزيّة. وتتميّز عين الأسد بتنوّع عائلاتها، ومن أبرزها: أبو صلاح، عوّاد، بدر، عامر، مرعي، وغيرها.
________________________________________________
[1] الزِّقّ: وعاء من الجلد يجزّ شعره ويُستخدم لحفظ الماء والسّوائل.
* * *
للاستزادة والتّوسُّع:
- “عين الأسد” (2024، تشرين ثانٍ، 1)، في ويكيبيديا الموسوعة الحرّة: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF_(%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84)
- إحصائيّات القرى الصّادر عن الانتداب البريطانيّ.
- ناطور، سميح. “قرية عين الأسد”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 3، 2011، ص. 310.