متصرّفيّة جبل لبنان

متصرّفيّة جبل لبنان كانت آلية حُكم مميّزة لجبل لبنان في ظلّ الإمبراطوريّة العثمانيّة. أُقيمت في نهاية عام 1860 م. بوصفها جزءًا من العِبر المستخلصَة من الحرب الأهليّة عام 1860 م.، في جبل لبنان ودمشق. شكّلت المتصرّفيّة هيئة حاكمة فريدة، في ذلك الوقت، وكانت تخضع مباشرةً للحكم المركزيّ في اسطنبول، وليس لولاية دمشق الّتي تأسّست عام 1864 م. وضمَّت بقيّة أراضي سورية الكبرى. ترأّس المتصرّفيّة حاكم مسيحيّ غير لبنانيّ، عيّنته الدّولة العثمانيّة، وعُيّن تحت قيادته مجلسًا يمثّل طوائف جبل لبنان كافّةً. هذه الإدارة تمثّل النّواة الّتي بُني حولها لبنان الحديث.

في الخامس من أيلول عام 1860 م.، بُعيد أخطر الأحداث الدّمويّة الّتي شهدتها سورية منذ مئات السّنين، التأمت لجنة للتّحقيق في أحداث الحرب الأهليّة الّتي دارت رحاها عام 1860 م. في جبل لبنان ودمشق. ضمّت اللّجنة ممثّلين عن الحكومة العثمانيّة وآخرين عن الدّول العظمى الأوروبّيّة الخمس: فرنسا، بريطانيا العظمى، النّمسا، بروسيا وروسيا، وكان هدف تشكيلها منع تكرار مثل هذا النّوع من الأحداث. والمعروف أنّ الحرب الأهليّة، عام 1860 م.، كانت في الواقع انهيارًا لاتّفاقيّة القائمقاميّة المزدوجة الّتي وُقّعت بعد أعمال الشّغب، عام 1842 م.، بين الدّروز والموارنة الّذي هدف إلى التّخفيف من حدّة التّوتّر العرقيّ الّذي نشأ بسبب التّغيُّرات الدّيموغرافيّة والسّياسية من القرن الميلاديّ الثّامن عشر.

كان تدخُّل القوى العظمى في الشّؤون الدّاخليّة الخاصّة بالإمبراطوريّة العثمانيّة نابعًا من سببين رئيسَيْن: الأوّل، الرّغبة في حماية الأقلّيّات المسيحيّة في الإمبراطورية؛ قاد هذا الاتّجاه، فيما يخصّ الموارنة، فرنسا الّتي غذّت علاقاتها معهم منذ منتصف القرن الميلاديّ السّادس عشر ضمن اتّفاقيّات الاستسلام الأولى الموقَّعة بين السّلطان سليمان القانونيّ والملك فرانسوا الأوّل. كانت فرنسا الدّولة الّتي أرسلت أكبر عدد من الجنود إلى لبنان لقمع أحداث الحرب الأهليّة: 6,000 جنديّ من إجماليّ 12,000 جنديّ. أمّا السّبب الثّاني فهو المسألة الشّرقيّة، وهي الأزمة الّتي وقعت فيها الإمبراطوريّة العثمانيّة والمشكلات الاستراتيجيّة المترتّبة عليها. كان طموح الدّول العظمى الأوروبّيّة منع انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة من أجل الحفاظ على توازن القوى في أوروبّا، ومنع أيًّا من هذه القوى من الاستيلاء على أراضي الإمبراطوريّة.

عمل ممثّلو الدّول العظمى مع فؤاد باشا، والي دمشق، على استتباب النّظام قبل الإصلاح. ومع ذلك تعامل فؤاد باشا والجيش الخامس، ومقرُّه كان دمشق، مع هذه الأمور بأنفسهم، بما في ذلك محاكمة المدنيّين العثمانيّين الّذين قادوا الاضطرابات وسجنهم أو نفيهم أو إعدامهم. علاوةً على ذلك عمل فؤاد باشا على تقليص النّفوذ الأجنبيّ على حساب السّيادة العثمانيّة. ولهذا السّبب استُبعدت المدن السّاحليّة: بيروت، صيدا، صور، طرابلس، جبل عامل ووادي لبنان، من الاتّفاقيّة وأُبقي على المناطق الجبليّة فقط.

الاتّفاقيّة الّتي أُقيمت على أساسها المتصرّفيّة استندت إلى ثلاثة مبادئ أساسيّة:

  1. حاكم جبل لبنان مسيحيّ من أصل غير لبناني تعيّنه الدّولة العثمانيّة وتوافق عليه الدّول العظمى الخمس. جبل لبنان سيكون مستقلًّا بصورة جزئيّة، القانون العثمانيّ سيطبّق عليه بالكامل، وسيُعفى سكّانه من الخدمة العسكريّة ولن تمكث فيه قوّات عسكريّة، إدخال قوّات عسكريّة إلى الجبل لن يحصل إلّا بناءً على طلب من المتصرّف؛
  2. يتولّى إدارة الشّؤون الدّاخليّة الخاصّة بالمتصرّفيّة مجلس مؤلّف من 12 عضوًا يجري اختيارهم من كلّ طائفة وَفق تصنيف ثابت: أربعة مسيحيّين موارنة، ثلاثة دروز، اثنان روم أرثوذكس، واحد روم ملكيّ، وواحد سنّيّ، وواحد شيعيّ؛
  3. تُلغى امتيازات المقطعجيّة كلّها، وعوضًا عن القوى الطّائفيّة تُنشأ حامية عسكريّة لبنانيّة داخليّة تحمل مسؤوليّة حفظ النّظام. طريق بيروت-دمشق الّذي يمرّ بأراضي جبل لبنان مُستثنى من منطقة مسؤوليّة الحامية العسكريّة اللّبنانيّة، وأمن هذا الطّريق هو مسؤوليّة الجيش العثمانيّ.

حاكم جبل لبنان الأوّل كان داود باشا، وهو من أصل أرمنيّ-كاثوليكيّ، شغل عدّة مناصب حكوميّة في اسطنبول. حَكم لبنان حتّى عام 1868 م.، وفي سلسلة من التّعيينات النّاجحة بعده حُوفظ على اتّفاقيّة المتصرّفيّة وعلى النّظام العامّ في جبل لبنان. إلغاء اتّفاقيّة المتصرّفيّة جرى، في الواقع، خلال الحرب العالميّة الأولى فقط. الحاكم العسكريّ لسورية الكبرى وحوران، أحمد جمال باشا، طَرَد أوهانس باشا الأرمنيّ ثمّ عَيّن بدلًا منه عليّ منيف بِك التّركيّ.

يشكّل نموذج الحكومة الطّائفيّة والرّعاية الأوروبّيّة المستخدَمة في اتّفاقية المتصرّفيّة أساسَ لبنان الحديث. تمثيل الطّوائف وَفق تصنيف ثابت استند إلى مُجمل عدد السّكّان، عوضًا عن اتّفاقيّات تقليديّة ثابتة، كان النّموذجَ الّذي سعى إليه الموارنة والّذي سعى الدّروز إلى منعه حتّى الحرب الأهليّة عام 1860 م.، بسبب ازدياد عدد السّكّان الموارنة على حساب عدد السّكّان الدّروز داخل حدود الجبل. قلّصت اتّفاقيّة المتصرّفيّة، بشكل بارز، قوّة الدّروز في جبل لبنان، وأدّت إلى ارتفاع كبير في معدّل هجرتهم من جبل لبنان إلى حوران. مقابل ذلك، إحباط القوّة التّاريخيّة للنّخبة الدّرزيّة في جبل لبنان أدّى إلى عمليّات “عَثْمَنَة” فعّالة أكثر. أفراد العائلتين المهيمنتين: جنبلاط وأرسلان، اندمجوا في مناصب حكوميّة في أنحاء سورية الكبرى، وفي الحياة الفكريّة داخل الإمبراطوريّة العثمانيّة وخارجها.

نموذج الطّائفيّة الّذي بُني على أساسه لبنان الحديث اشتمل على المشاكل الّتي قادت إلى العديد من الأزمات في لبنان الحديث، بسبب التّناقض المتأصّل الّذي احتواه بين رغبة الدّول العظمى الأوروبّيّة في فعل الخير للمسيحيّين الموارنة وإرساء السّيطرة على أساس تصنيف طائفيّ تغيَّر بشكل كبير حين امتدّ النّموذج إلى لبنان الكبير خلال فترة الانتداب الفرنسيّ. الدّروز الّذين عارضوا، في القرن الميلاديّ التّاسع عشر، نموذج التّمثيل الطّائفيّ بسبب تفضيله للمسيحيّين على أساس ديموغرافيّ، أصبحوا في القرن الميلاديّ العشرين معارضين له لكونه مفضِّلًا للمسيحيّين بالرّغم من الأساس الدّيموغرافيّ الّذي تغيّر مع مرور السّنين ضدّ مصلحة المسيحيّين.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. Firro, Kais. A History of the Druzes. Leiden: Brill, 1991.
  2. Harris, William. Lebanon: A History, 600-2011. Oxford: Oxford University Press, 2012.
  3. Leila Tarazi Fawaz. An Occasion of War: Civil Conflict in Lebanon and Damascus in 1860. Berkeley and Los Angeles, CA: University of California Press, 1994.
  4. Makdisi, Ussama. The Culture of Sectarianism: Community, History and Violence in Nineteenth Century Ottoman Lebanon. Berkeley and Los Angeles, CA: California University Press, 2000.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה