مقام مقدّس عند طائفة الموحّدين الدّروز، يقع في “وادي كنعان” وهي “أرض يهوذا”، ما يُعرف بـِ-حولة بانياس، شمال بحيرة الحولة وغرب بانياس، في هضبة الجولان، على منخفض من الأرض يرتفع 150 مترًا عن سطح البحر، وشرق الشّارع الرّئيس الّذي يصل بين كريات شموناه وبانياس، قريبًا من “حورشات طال”. تنتشر حول المقام بساتين وأراضٍ زراعيّة والكثير من الحجارة البازلتيّة السّوداء الّتي تميّز المنظر الطّبيعيّ في أراضي الجولان، وفي قربه عين ماء عذب هي “عين هوذا”.
تُدار شؤون المقام من قِبل لجنة خاصّة من سكّان الجولان، والقيّم عليه هو الشّيخ أبو سليم إسماعيل الشّوفي، من قرية مجدل شمس. ويتردّد أبناء الطّائفة المعروفيّة، من القرى كافّةً، من الجليل والكرمل والجولان، على المقام الشّريف للجلوس في رحابه ولإيفاء النّذور، حتّى أصبح المقام محطًّا للزّيارات العائليّة وقضاء العطل، مثل بقيّة المقامات المقدّسة المعروفة.
يرتبط هذا المقام بالنّبيّ يهوذا (عُرّبت بالدّال لاحقًا فأصبحت “يهودا”) الابن الرّابع للنّبيّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السّلام جميعًا، ووالدته ليئه بنت لابان. وكان يهوذا أكبر إخوته مقامًا وأشدّهم قوّة، وإليه تُنسب اليهود وكذلك دينهم؛ اليهوديّة، وهو جدّ الأنبياء الثّلاثة؛ داوود وسليمان والمسيح، وعند بني إسرائيل “يهوذا” هو سبط المُلك والحكم والخلافة. أمّا المقام الّذي نحن في صدد الحديث عنه فيُعدّ المقام الرّئيس من بين عدّة مقامات ومواقع ترتبط تاريخيًّا ودينيًّا بالنّبيّ يهوذا، عليه السّلام، وتتوزّع بين منطقة بحيرة طبريّة ونابلس ومنطقة بيت لحم وكفر كنّا ويافا وأربيل، وكذلك الأردنّ.
حتّى عام 1948 م. كان المقام المذكور تحت إشراف العلويّين، سكّان قرى عين فيت وزاعورة والغجر، الّذين احترموه وعملوا على صيانته واعتادوا زيارته وتقديم القرابين فيه، خاصّةً في عيد الأضحى؛ إذ كانوا يذبحون جاموسًا ذكرًا أسوَد، وفي اليوم الأوّل من شهر رمضان كانوا يقيمون في رحابه إفطارًا جماعيًّا. كما آمنوا في قدرة هذا المقام الرّوحانيّة على الشّفاء من عمى البصر، فالمؤمن الّذي يبيت فيه يرتدّ إليه بصره.
أمّا لغويًّا فالاسم “يهوذا” يرد في قاموس سترونج العبريّ بمعنى “المشهور” أو “المَفروح به”، وهي معانٍ متعلّقة بالحمد والشُّكر؛ إذ يُعتقد أنّ والدته، وهي ليئه بنت لابان، أخت راحيل وابنة خال يعقوب النّبيّ؛ منحته اسمه هذا لحظة ولادته شكرًا لله سبحانه وتعالى على عطائه. وفي قاموس أعلام الكتاب المقدّس من العهدَين القديم والجديد يرد اسمه بمعنى الاعتراف أو التّسبيح. وجاء في التّوراة أنّ يهوذا هو الّذي أشار إلى بيع أخيه يوسف لكي يخلّصه من الموت المحتّم، وهو الّذي حمى أخيه الصّغير غير الشّقيق، بنيامين.
بين عامَي 1948-1967 م. أُهمل المقام لتعذُّر الوصول إليه بسبب خطّ الهدنة بين إسرائيل وسورية. ثمّ بعد عام 1967 م. شرع أبناء الطّائفة المعروفيّة من سكّان الجولان في الاعتناء بالمقام فرمّموه وأضافوا إليه أبنية جديدة.
والمقام الحاليّ الّذي يُعدّ مقامًا للخلواتيّة؛ أيّ للمؤمنين الرّوحانيّين الّذين يقبلون على المقام للاختلاء فيه من أجل التّعبّد والتّبحُّر في علم التّوحيد؛ يتكوّن من عمارتَين صغيرتَين ومنفردتَين، الأولى، تضمّ الضّريح، وهي عمارة قديمة بُنيت قبل مئات السّنين وأُضيف اليها مع الوقت ترميمات وتحسينات مختلفة. طول غرفة الضّريح حوالي أربعة أمتار، وعرضها حوالي ثلاثة أمتار، والدّخول إليها يكون عبر غرفه كبيرة وقديمة يبلغ طولها وعرضها حوالي ثلاثة أمتار ونصف المتر، يدخلها الزّائر من باب ملبّس بالرّخام الأبيض يغطّي جدران الغرفة أيضًا، وارتفاع الباب 175 سنتيمترًا. ومن جهة المقام الشّماليّة نجد باحة فيها شبّاك وفوقه تجويف في الحائط وحجران منحوتان.
للضّريح بناء عاديّ يتّجه من الشّرق إلى الغرب، واتّجاه الرّأس إلى الشّمال-الشّرقيّ، وعلى الرّأس حجر منحوت على شكل عمامة مكوّرة. وفي الغرفة صندوق للحسنات والتّبرّعات، ومكان لإنارة الشّموع، والغرفة مفروشة بالسّجّاد، وهي تتّسع لحوالي عشرين من الزّائرين، ويمكن الجلوس إلى جانب الضّريح من الجهة الشّماليّة.
البناء الثّاني من المقام يتكوّن من طابقَين؛ الطّابق الأرضيّ قديم جدًّا، وهو مبنيّ من حجارة كبيرة وقديمة. أمّا الطّابق العلويّ فهو مبنيّ على الطّراز الحديث، ومُقسّم إلى غرف مُعدَّة للعبادة ولمعيشة دارسي الدّين من المشايخ، وإلى جانب الغرف مطبخ وباحة.
تقرّرت زيارة المقام الرّسميّة السّنويّة في العشرة أيّام الأوائل من شهر آب، وسُمّيت “زيارة الصّبر”؛ لأنّ في هذه الفترة يحلّ موسم الصّبر، وفي الماضي زُرعت كمّيّات كبيرة من هذه الفاكهة الشّوكيّة حول هذا المقام.
***
للاستزادة والتّوسُّع:
- الأشرفاني محمّد بن عبد المالك. عمدة العارفين في قصص النّبيّين والأُمم السّالفين. د. م.: د. ن.، ج. 1، د. ت..
- “مقام النّبيّ (ع) يهوذا شمالي الحولة”. العمامة 46 (أيّار 2002)، ص. 7-8.
- “يهوذا بن يعقوب” (2023، أيلول، 20)، في ويكيبيديا الموسوعة الحرّة: