هجرة الموحّدين الدّروز إلى جبل حوران

هجرة الموحّدين الدّروز إلى جبل حوران

هجرة الموحّدين الدّروز إلى جبل حوران

بحث وتحقيق: كمال كيوف

في كلّ بحث حول الهجرة والتّنقّل السّكّانيّ ينبغي الانتباه إلى حوافز الهجرة وعوامل الجذب الّتي تدفع النّاس إلى التّنقّل. فخلال فترات تاريخ الشّرق الأوسط المختلفة حصلت هجرات من الصّحراء في اتّجاه المناطق المأهولة في الشّمال الغربيّ والسّاحل السّوريّ، في حين نرى أنّ هجرة الدّروز إلى حوران، من المناطق الغربيّة إلى الصّحراء، هي عكس الاتّجاه العامّ للهجرة المذكورة. في الوقت نفسه، نرى موجةً عامّةً من الهجرة إلى مراكزَ جذب، مثل: العلويّين إلى جبل العلويّين؛ والمسيحيّين إلى جبل لُبنان؛ والدّروز الى جبل حوران، وذلك خلال القرن الميلاديّ التّاسع عشر.

من المؤسف أنّ الدّروز لم يحافظوا على أوراقهم ووثائقهم التّاريخيّة، ذلك لعدّة أسباب لا أريد التّطرّق إليها في هذا المقال، رغم وجود بعضٍ من الأرشيفات الخاصّة بهم، مثل: أرشيفات آل جنبلاط وآل أرسلان، في لُبنان، وأرشيفات آل خير، في أبو سنان، وأرشيف آل معدّي، في يركا، وأرشيف آل طريف، في جولس، وأرشيف نجيب منصور، في عسفيا، وأرشيف سامي حسّون، في دالية الكرمل.

حتّى عام 1832 م. كانت المصادر الأوّليّة الوحيدة عن الدّروز كتابات الرّحّالة والمستشرقين الأجانب، وبين العامَيْن 1914-1832 أُضيفت إلى تلك المصادر تقارير القناصل البريطانيّين والفرنسيّين الّتي قال عنها الرّاحل بروفيسور قيس فرّو إنّ 50% منها كانت عن الدّروز في سورية ولُبنان. وفي هذا المقال سأعتمد على ما كتبه حنّا أبو راشد وعبّاس أبو صالح وسعيد صغيّر وما تطرّقوا إليه حول الهجرة إلى حوران، وسأستند تحديدًا إلى كتاب تاريخ الدّروز لبروفيسور قيس فرّو الّذي يُعدّ أشمل وأعمق بحث تاريخيّ صدر حتّى الآن عن الدّروز في العصر الحديث. من المصادر الهامّة، أيضًا، ما كتبه سليمان أبو عزّ الدّين عن الدّروز في حوران، اعتمادًا على رواية الدّروز المحلّيّة الشّفويّة والمتناقَلة من جيل إلى جيل. نويمن لويس كتب عن سورية، عامّةً، وعن استيطان الدّروز في حوران، على وجه الخصوص.

فرّو يطرح السّؤال: هل كانت نواة استيطان درزيّ في جبل حوران قبل العام 1685؟ ويجيب بإنّ بورون الفرنسيّ يذكر أنّ الأمير علم الدّين انضمّ، في الحقيقة، إلى نواة استيطان درزيّ كان قائمًا في غرب حوران، أبقى حمدان الحمدان وخليل الحمدان مكانه وعاد إلى لُبنان. الأنطاكيّ وابن الأثير لم يذكرا الدّروز في كتبهم التّاريخيّة، ولعلّ السّبب هو أنّ الدّروز مسلمون في نظرهم. المؤرّخون الدّروز الّذين أرّخوا للدّروز لم يذكروا الدّروز في حوران في هذه الفترة (القرن الميلاديّ السّابع عشر).

إذًا، أين سكن الدّروز قبل الاستيطان في حوران؟

حسب الشّيخ الأشرفانيّ في كتابه عمدة العارفين، كان هناك خمسة مراكز استيطان للدّروز حتّى زمنه، وهي كما يلي:

  1. الجبل الأعلى أو الأنور (حلب): 55 قرية درزيّة. والرّحّالة فولني يؤكّد وجودَ دروز هناك؛
  2. منطقة الغرب (آل عبد الله): مركز سياسيّ لآل تنّوخ الّذين اعتنقوا مذهب التّوحيد وحوّلوه إلى كيان سياسيّ وحُكم ذاتيّ هامّ حتّى مجيء المعنيّين. وتجمُّع الدّروز في جبل لُبنان نابع من عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة ودينيّة، ومن تضامُن داخليّ وتوحُّد إثنيّ؛
  3. منطقة وادي التّيم (آل سليمان): الّتي تشكل تواصلًا جغرافيًّا مع إقليم البّلّان، وهي منطقة مأهولة بالموحّدين منذ فترة الدّعوة، والمنطقتين تشكّلان معًا جسرًا للتّواصل مع جبل حوران؛
  4. منطقة الغوطة: في فترة نشر دعوة التّوحيد كانت هذه المنطقة مركزًا هامًّا وكبيرًا، وبعد الأحداث التّاريخيّة الّتي وقعت لاحقًا اختفت قرى عديدة، منها: الميدانيّة ويعفور والمزّه وغيرها. كذلك المسافة بين غوطة دمشق وحوران ليست كبيرة. بنو قنطار وبنو حاطوم أصلهم من المتن، وهناك قادوا تمرّدات ضدّ الشّهابيّين أطلق عليها المؤرّخون اسم “عامّيّات شعبيّة”، بعد ذلك انتقل آل قنطار إلى زحلة، وخلال نشاطهم وريادتهم الثّوريّة أسهموا في صبْغ الصّراعات الدّاخليّة في جبل لُبنان بصبغة طائفيّة بدأت تظهر منذ عشرينيّات القرن الميلاديّ التّاسع عشر. بعد ذلك انتقلوا إلى وادي التّيم، ومن هناك إلى اللّجاة في جبل حوران. هذا المسار يُعطي صورة واضحة عن تنقُّل الدّروز وعن التّواصل الجغرافيّ بين المناطق المختلفة؛
  5. بلاد صفد (آل تراب): مؤرّخو الحوليّات التّاريخيّة منذ القرن الميلاديّ العاشر فصاعدًا يشهدون أنّ سكّان الجليل كانوا مسيحيّين ودروزًا فقط، ويذكرون أنّ الاستيطان الدّرزيّ في هذه المنطقة كان كثيفًا وكبيرًا؛ إذ كانت هناك 55 قرية درزيّة في الجليل، لم يبقَ منها حتّى أوائل القرن الميلاديّ العشرين سوى 15 قرية. لقد تزامنت الهجرة إلى حوران مع “حادثة سلّامة” الّتي وقعت في زمن عمر الزّيدانيّ، حوالي 1685-1680.

إنّ موجة الهجرة الدّرزيّة الأولى الى حوران كانت مكوّنة من أبناء حمدان الإقطاعيّين الّذين قدموا من بيت جنّ، في فلسطين، وقبل ذلك من حلب. هؤلاء استقبلوا المهاجرين واستوعبوهم من خلال نظامهم الإقطاعيّ في حوران، بعد أن كان يسكن بعضًا من مناطقه المسيحيّون والبدو المتنقّلين. ولمّا جاء الأمير علم الدّين إلى لُبنان انتقل آل حمدان إلى نجران، ووزّعوا المهاجرين على الخِرَب والقرى المهجورة، وأرسل الزّعيم الحمدانيّ رُسُلًا إلى دروز لُبنان وجبل الشّيخ وحلب وصفد والكرمل يذيعون بينهم أخبار الجبل ويدعونهم للهجرة إليه بإعطائهم منزلًا وأرضًا بالمجّان. فازدادت الهجرة طلبًا للحرّيّة وبحثًا عن الرّزق وتعمير القرى، واحياءً للأرض. وكانت ترافق هذا التّوسّع صدامات مع الجِوار من بدوٍ وحضرٍ؛ ففي سنة 1811 م. وصلت الجبل 600 أُسرة درزيّة من حلب، وبعد فشل الشّيخ بشير جنبلاط، سنة 1825 م.، قدم إلى الجبل مع كثير من الأُسر الموالية له فاستوطنوا القرى المهجورة، وامتدّت سيطرة الشّيخ الحمدانيّ إلى سهل حوران، وأصبح تعيين شيوخ قرى سهل حوران بموافقة الزّعيم الدّرزيّ الحمدانيّ فقط.

في رحلته إلى فلسطين، في أواخر القرن الميلاديّ الثّامن عشر، كتب الرّحّالة فولني أنّ كثافة السّكّان في الجليل مثلها مثل باريس، وأنّ الدّروز والنّصارى يهاجرون إلى حوران بكثافة، ولا ننسى أنّه بعد معركة عين دارا، سنة 1711 م.، حصلت هجرة كثيفة من جبل لُبنان إلى حوران، لذلك نرى العائلات الصّفديّة والشّوفانيّة في حوران؛ فبعد آل حمدان وصل آل أبو فخر من قبيع، في المتن، وآل نصر وآل عزام، من معاصر الشّوف، وآل شعرانيّ، من عين الشّعرا، ومْحيثاويّ، من مْحيثه، وآل أطرش، من خربة طرش، وآل حجيلي، من قرية أو مزرعة حجلة في الكرمل.

في عهد الجزّار، الحوليّات التّاريخية جميعها المعاصرة لتلك الفترة تتحدّث عن هجرة مكثّفة للفلّاحين من منطقة حكم الجزّار إلى حوران، حيث أقام الدّروز حزامًا من القرى حول القبائل البدويّة خلال تقدّمهم في اتّجاه جنوب الجبل، نحو صلخد. وفي السّنوات 1837-1800 م. انتقل الكثير من الدّروز الى حوران من مناطق مكوثهم كافّةً لأسباب اقتصاديّة، أضف إليها سياسة الجزّار وورثائه وبشير الشّهابيّ الثّاني، في جبل لُبنان وفلسطين.

استمرّ آل حمدان يحكمون الجبل بمساعدة الأُسر الإقطاعيّة في القرى، حتّى أصبح حُكمهم إقطاعيًّا أوتوقراطيًّا ومُعترفًا به من قِبَل والي دمشق الّذي سمح لهم جباية الضّرائب من كلّ قرية، حتّى رأى الحمدانيّون أنفسهم أسياد الجبل، وارتأوا أنّ لا ملكيّة لأحد من العامّة إلّا بموافقة الشّيخ الحمدانيّ، لذا برزت فئة من عامّة النّاس تسمى “الفلتيّة”؛ وهم من لا يملكون أرضًا ويعملون بالأجر عند المالكين. كما كان على كلّ فلّاح أن يُقدّم معونة للشّيخ أو يوميّ عمل مجانَّيْن في السّنة، وهكذا كان يحقّ للشّيخ الحمدانيّ العمل بالسّخرة والتّوطين والتّرحيل.

إنّ هذا السّياق التّاريخيّ جعل المتمرّدين الأقوياء يتحيّنون الفُرص للقضاء على سُلطة آل حمدان، لذا فقد جاء صعود آل أطرش في الجبل نتيجةً لاستغلال موجة الاحتجاج من قِبَل المهاجرين والفلّاحين الجُدد ضدّ آل حمدان الإقطاعيّين. وهذه الخلفيّة التّاريخيّة تفسّر سبب تمرُّد الدّروز بالذّات ضدّ حُكم إبراهيم باشا المصريّ؛ بمعنى أوضح: المهاجرون الّذين تضرّروا في أماكن مكوثهم السّابقة؛ أي: الجليل والكرمل ولُبنان، تمرّدوا ضدّ القيادة الحمدانيّة القائمة. هؤلاء “الفلتيّة” لم يكونوا ليخسروا شيئًا في حوران بعد أن خسروا كلّ شيء في بلادهم الأصليّة ورحلوا عنها عنوةً أو اضطرارًا فانتفضوا ضدّ الظّلم الدّاخليّ والخارجيّ معًا، وشكّلوا، بوصفهم مهاجرين صفديّة وشوفيّين، عِماد الثّورة وعمودها الفقريّ ضدّ الحكم المصريّ في بلاد الشّام.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה