الدّاعي عمّار

الدّاعي عمّار، رضي الله عنه، هو حسن بن عمّار المغربيّ. وُلد في المغرب، وقيل في البلاد اللّيبيّة وتحديدًا طرابلس الغرب، وهو ينتمي إلى قبيلة “كتامة” الشّهيرة. لقّبه سيّدنا المُقتنى، بهاء الدّين أبو الحسن عليّ بن أحمد الطّائيّ السّموقيّ، عليه السّلام؛ بـِ-“أبو اليقظان”.

ترك عمّار الشّابّ موطنه الأصليّ وهاجر متّجهًا إلى بلاد مصر الّتي كانت في خلافة الحاكم بأمره، حينذاك، فقَدِم إلى سيّدنا بهاء الدّين، عليه السّلام، وأقبل على دعوة التّوحيد فكان من أهل الطّاعة والإيمان، داعيَ حقّ وسائرًا على منهج الثّقة ودرج العُلوّ، ثقةً مأمونًا وأخًا أمينًا ورسولًا ناصحًا، شجاعًا باسلًا ومُدافعًا عن الدّعوة الطّاهرة الّتي آمن بها، وعن إخوانه الموحّدين جميعًا. نظر المقتنى، عليه السّلام، إلى هذا الشّاب وتوسّم فيه خيرًا، ورأى في قلبه التّفاني وإنكار الذّات، فاطمأنّ إلى سريرته، وأُعجب بحكمته وعِلمه وعَمله وتقواه، وأحبّه كثيرًا ورقّاه إلى كبار الدّعاة، ثمّ لُقّب بـِ-“الدّاعي المجيد”.

تبدأ قصّة أبي اليقظان عمّار، رضي الله عنه، حين عظُم شأن سُكَيْن[1]، بعد أن استبدّ به الطّمع واستغلّ ثقة رئيسه المُقتنى، عليه السّلام، وثقة المُستجيبين، وصار يطلب من هؤلاء أن يعطوه المال، زاعمًا أنّ الدّعوة في بلاد الشّام بحاجة إليه. فأخذت الأموال تتدفّق عليه وهو يزداد طمعًا وكذبًا واستغلالًا، وادّعى منزلةً ليست له، وقال بترك التّكاليف ونقض الفرائض والمرسومات، فصوَّر دعوة التّوحيد على أنّها دعوة إلى الرّاحة والإباحة وارتكاب الموبقات واتّباع شهوات الحسّ وأهواء النّفس، والنّاس أخذت تتبعه. وبعد أن علِم المُقتنى، عليه السّلام، بانحراف سُكَيْن، هذا الدّاعي الّذي تظاهر بالتّقوى والتّواضع والإخلاص، كتب إليه محذّرًا إيّاه من عواقب الإخلال في الدّعوة والعنود عن مسلك التّوحيد. غير أنّ سُكَيْنًا تمادى في فعله وقرّر القضاء على المُقتنى بهاء الدّين، عليه السّلام، لكنّ الأخير كان صابرًا على سُكين؛ لإنّ مصلحة الدّعوة هي أوّل أولويّاته وأعظمها، فلم يُرد أن يُعرّض المُستجيبين إلى الشّرّ، خاصّةً وأنّ شبح المحنة لم يزل ماثلًا أمام عينيه، وصاحب المحنة، الخليفة عليّ الظّاهر[2] (395-427 هـ./ 1005-1036 م.)، لم يزل متربّعًا على عرش الفاطميّين. فرأى المُقتنى أن يتدبّر الأمر بالحُسنى، فأشار عليه أحد أتباعه المخلصين، واسمه حسن بن معلّى، أن يغتنم غياب سُكَيْن عن وادي التّيم فيُرسل داعيًا من الموحّدين ليُطلع أهل الوادي على أفعال سُكَيْن المنحرفة وأكاذيبه في حقّ الدّعوة الشّريفة.[3] كما أشار عليه أن يكون هذا الدّاعي غريبًا عن بلاد الشّام، بعيد الموطن، فلا يكون لأحد عليه حقّ ولا ضغينة، فتسهُل المهمّة عليه.  

وقع اختيار المُقتنى، عليه السّلام، على الدّاعي أبي اليقظان عمّار، رضي الله عنه، فأرسله إلى شرذمة[4] سُكَيْن، وأرفق معه رسالة توبيخ وتأنيب تُقصع هذا الدّاعي المُرتدّ عن الدّعوة، وتُطلع أتباعه على أباطيله وتحذّرهم من مواصلة اتّباعه، ثمّ تدعوهم إلى السّراط المستقيم والدّعوة الصّحيحة. استجاب الدّاعي عمّار، رضي الله عنه، أمرَ مولاه ومولانا، وتوجّه، والإيمان يملأ قلبه وروحه، من مصر إلى وادي التّيم[5]؛ ذلك البلد الغريب الّذي لا عهد له به، ولا علم له بأهله وطباعهم. وصل الدّاعي عمّار، رضي الله عنه، إلى منطقة وادي التّيم، ونزل في بلدة بَكّيفا[6]، عند الشّيخ أبي الخير سلامة بن حسن بن جندل[7]، وأطلعه على مهمّته، فزوّده الشّيخ أبو الخير بمعلومات حول سُكَيْن وجماعته، وأشار عليه أن يُظهر لهم اللّين والمُسالمة، ونصحه بأن يترك سيفه عنده ويتوجّه إليهم وهو أعزل، تجنُّبًا لأيّ استفزاز. عمل أبو اليقظان عمّار، رضي الله عنه، بنصيحة الشّيخ أبي الخير، وتوجّه إلى قرية كوكبا، في وادي التّيم الأعلى (ويقال إلى قرية الشّعيرة، قرب كوكبا)، حيث تجمّع العُصاة المُرتدّون في منزل المرتدّ حسين بن شَبيب، فدخل إليهم وتلا عليهم رسالة المُقتنى، عليه السّلام، بصوت عالٍ غير متردّد. فاستشاطوا غيظًا، وطلبوا إليه الكفّ عن قراءتها، فأبى إلّا إكمال ما بدأه، فاعتدوا عليه بالضّرب، حتّى اصطبغ بدمه، ولم يتوقّف حتّى أنهى قراءة الرّسالة. قال البعض منهم بقتله فورًا، وقال آخرون باستمهاله، ريثما يترك تخوم قريتهم، ثمّ يقتلونه في مكان بعيد. أمّا الدّاعي عمّار، رضي الله عنه، فبعد أن بلـّغ الرّسالة انطلق تاركًا القرية وقد برحت به الجراح، وركب راحلته، واتّجه جنوبًا نحو الدّيار المصريّة، من دون أن يعرّج على قرية بَكّيفا لاسترداد سيفه الّذي تركه عند الشّيخ أبي الخير. لحق المرتدّون، جماعة سُكَيْن، بأبي اليقظان، وكان على رأسهم أبو تميم الملقَّب بـِ-“ثقة سُكَيْن وصاحب سيفه”، فأدركوه في قرية “إبل السّقي”[8]، وهناك أجهزوا عليه، ثمّ جرّدوه من ثيابه وتقاسموها، وغيّبوه في رجمة من الحجارة، وذهبوا فرحين بفعلتهم. وقد عادوا في اليوم التّالي، كأنّ حقدهم لم يرتوِ، وبحثوا عن تلك الرّجمة ليحرقوا جثّة الشّاب الطّاهر ويخفوا آثار جريمتهم، فلم يستطيعوا تبيانها من بين الرّجم الكثيرة المنتشرة في المكان.

وبعد مدّة، مرّت جماعة من الأعراب في تلك المحلّة، كانوا في طريقهم إلى أرض فلسطين. وقرب إحدى الرُّجم ربضت ناقة من نوق القافلة وأبت النّهوض رغم محاولات تحريكها، ثمّ التفت أحدهم إلى وجود جثّة تحت الرّجمة وقال لصحبه: “لعلّها جثّة وليّ”. حمل الرّعيان الجثمان فوق ناقتهم، وقرّروا استكمال مسيرهم ودفنه في أقرب مكان تربض فيه النّاقة في الطّريق. فسارت النّاقة تحمل على ظهرها “الحِمْل الثّمين”، حتّى أتت القافلة سهلَ الحولة الفسيح، فناخت النّاقة في المكان، وأنزل الأعراب جثمان الدّاعي الشّهيد ودفنوه، ثمّ تابعوا المسير. دُعي مكان الدّفن بـِ-“الوقّاص”، حيث شُيّد للشّهيد أبي اليقظان، رضي الله عنه، مقام يزوره الموحّدون.

مقام الدّاعي عمّار، رضي الله عنه، في إبل السّقي، جنوب لُبنان

وفي مصر، بعد أن أرسل المُقتنى بهاء الدّين، عليه السّلام، الدّاعي عمّارًا، رضي الله عنه، في مهمّته إلى وادي التّيم، كان قد ألحقه بكتاب ضمّنه تعليماته له ولبقيّة الموحّدين هناك، وحذّره من شرذمة المرتدّين عن دعوة التّوحيد. لكنّ الرّسول، حامل الكتاب، حين وصل إلى قرية السّافرة، بالقرب من طبريّة، علم به أحد عيون سُكَيْن، ويُدعى “أبو جمعة”، فألقى القبض عليه واحتجزه عنده خمسة عشر يومًا، حتّى كان أبو اليقظان عمّار، رضي الله عنه، قد اجتمع بجماعة سُكَيْن المُرتدّين ووقع ما وقع، ثمّ أُطلق الرّسول وقد فات الأوان.

_______________________________________________

[1] قلَّد المُقتنى سُكينًا هذا جزيرة الشّام العُليا، فكلّفه بأخذ المواثيق فيها على المُستجيبين وتيسير شؤون الدّعوة. وكان المقتنى قد لقّبه بـِ-“الشّيخ المرتضى”، وَ-“عصمة المؤمنين”، وَ-“صفوة الموحّدين”، ونعته بالخيّر الفاضل والدّيّن الرّاجح الكامل.

[2] هو الظّاهر لإعزاز دين الله، أبو الحسن عليّ، ابن الخليفة المنصور الحاكم بأمره.

[3] ويقال إنّ سُكَيْنًا كان، آنذاك، مع جماعته المرتدّين في وادي التّيم.

[4] هكذا عُرفت جماعة المرتدّين في وادي التّيم.

[5] كان وادي التّيم، آنذاك، أخصبت فيه الدّعوة وكثرت فيه الأتباع، مع أنّه كان مقرًّا لحركة رِدّة خطيرة كثُر أتباعها، حتّى أخذوا يهدّدون الموحّدين ويأتون بما يريدون من الموبقات (انظر: سامي نسيب مكارم، مسلك التّوحيد (بيروت: د. ن.، 2003)، ص. 71).

[6] تتبع بَكّيفا إلى محافظة البقاع، قضاء راشيّا الوادي. تبعد عن العاصمة، بيروت، نحو 85 كيلومترًا، وترتفع عــن سطح البحر حوالي 900 متر.

[7] من “بني برغشة”، لم تزل سلالاتهم موجودة، وقد عُرفوا بالفضل والدّين الصّحيح (انظر: مكارم، مسلك التّوحيد، ص. 86).

[8] قرية لبنانيّة، من قرى قضاء مرجعيون، في محافظة النّبطيّة. فيها مزار مقدّس للشّهيد الدّاعي عمّار، رضي الله عنه.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. الأسفار التّوحيديّة. مخطوط.
  2. الأشرفاني، محمّد بن عبد المالك. عمدة العارفين في قصص النّبيّين والأمم السّالفين. د. م.: د. ن.، ج. 3، د. ت..
  3. أبو زكي، فؤاد. المعنيّون؛ من الأمير فخر الدّين الثّاني المعنيّ التّنّوخيّ إلى الأمير سلطان باشا الأطرش المعنيّ التّنّوخيّ. الشّوف: الدّار التّقدّميّة، 2008.
  4. العقيلي، الشّيخ يوسف. خبايا الجواهر. مخطوط.
  5. القاضي، نبيه. تاريخ دعوة الموحّدين الدّروز. د. م.: دار كيوان للنّشر والتّوزيع، 2009.
  6. مكارم، سامي نسيب. مسلك التّوحيد. بيروت: د. ن.، 2003.
  7. ناطور، سميح. “الدّاعي عمّار”. موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير). ج. 3 (2011).

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה