السّتّ نظيرة جنبلاط

تُعدّ السّتّ نظيرة جنبلاط عَلمًا نسائيًّا بارزًا، ولعلّها من أبرز النّساء الدّرزيّات اللّواتي لعبنَ دروًا سياسيًّا قياديًّا في تاريخ الموحّدين الدّروز في لبنان، في العصر الحديث. وُلدت السّتّ نظيرة عام 1890 م.، والدها هو الشّيخ فارس جنبلاط، ووالدتها هي السّتّ فريدة سعيد جنبلاط، ابنة الزّعيم الدّرزيّ الكبير سعيد جنبلاط الّذي قاد الدّروز في حرب 1860 م.

سطع نجم السّتّ نظيرة جنبلاط في أعقاب اغتيال زوجها، فؤاد بك جنبلاط، عام 1921 م.، على يد شكيب وهّاب، بتهمة التّعاون مع الانتداب الفرنسيّ. تولّت السّتّ نظيرة تربية ولدَيْها كمال وليندا، كما تولّت زعامة البيت الجنبلاطيّ، ودأبت على الحفاظ على موقعه السّياسيّ والاجتماعيّ داخل الجبل وأمام سُلطات الانتداب الفرنسيّ.

من موقع الإنابة عن زوجها وتحمُّلها عبء قيادة الحزبيّة الجنبلاطيّة حرصت السّتّ نظيرة على ثلاثة مبادئ رئيسة؛ الأوّل هو الحفاظ على العلاقات الودّيّة مع سُلطات الانتداب الفرنسيّ، على مدى عقدَيْن من الزّمان، والثّاني هو تجنُّب أيّ صدام مع المسيحيّين الموارنة والنّظر إليهم على أنّهم الشّريك الأساسيّ في بناء الوطن. وفي هذا السّياق، كانت السّتّ نظيرة على قناعة تامّة بأنّ الدّولة اللّبنانيّة لا تستقيم إلّا بالشّراكة بين الدّروز والموارنة، من منطلق أنّ هاتَيْن الفئتَيْن هما الرّكنان اللّذان قامت عليهما الإمارة اللّبنانيّة. أمّا المبدأ الثّالث في سياسة السّتّ نظيرة فهو تجنُّب الصّدام مع الحزب اليَزْبكيّ ومدّ يد التّعاون للخصوم الدّروز، وعلى هذا جاء زواج ابنها كمال جنبلاط من السّتّ مي أرسلان، كريمة الأمير شكيب أرسلان. انعكست هذه المبادئ في سياستها طوال عقدَيْن ونصف من الزّمان؛ إذ وقفت السّتّ نظيرة موقفًا حازمًا-رافضًا لامتداد الثّورة السّوريّة الكُبرى إلى جبل لبنان، من باب درء الفتنة ومنع الاقتتال الدّاخليّ بين الدّروز والموارنة، في ظلّ وجود القوّة الانتدابيّة. أكثر من هذا أنّ السّتّ نظيرة حاولت التّوسُّط بين زعماء الثّورة من الدّروز، من جهة، والانتداب الفرنسيّ من جهة أُخرى. في سياق مُتّصل، كانت السّتّ نظيرة من أشدّ المعارضين لإرسال متطوّعين دروز للاشتراك في ثورة فلسطين الكبرى بين العامَيْن 1936-1939 م.. ارتبط هذا الموقف بموقفها المتحفّظ من فكرة “لبنان الكبير” وقناعتها باستحالة التّعايش مع المسلمين، ويبدو أنّ حقيقة اغتيال زوجها على يد شكيب وهّاب، عام 1921 م.، كان حاضرًا في قراءتها ونظرتها المشكِّكة تُجاه الحركة القوميّة-العربيّة والقضايا المتعلّقة بها كافّةً.  

عُرف عن السّتّ نظيرة التزامها الشّديد بالأعراف الاجتماعيّة والدّينيّة؛ إذ كانت تحرص على حضور مَحْرَم عند لقائها بقيادات ومسؤولين فرنسيّين وأجانب. يُضاف إلى ذلك أنّها استعانت بصديق العائلة، المطران اوغسطين البستانيّ، في إدارة شؤون العائلة والطّائفة المعروفيّة.

تراجع دَوْر السّتّ نظيرة مع دخول نجلها كمال معترَك الحياة السّياسيّة، ويبدو أنّها لم تكن راضية في سنواتها الأخيرة عن مشروع تأسيس حزب جديد، كمان أنّها، بنزعتها المحافِظة، أظهرت تحفّظًا على الخطاب السّياسيّ الجديد الّذي جاء به كمال جنبلاط والمُطالب بإلغاء النّظام الطّائفيّ وتطبيق مبدأ العدالة الاشتراكيّة والعلمانيّة. أثار قرار جنبلاط بتوزيع أملاكه على الفلّاحين غيظ السّتّ نظيرة الّتي رأت في سلوكيّات ابنها تفكيكًا لكلّ ما بُنيت عليه الزّعامة الجنبلاطيّة.

كُتب الكثير عن السّتّ نظيرة وعن رصانتها وشخصيّتها القياديّة الّتي جمعت بين الالتزام بالأعراف والعادات والتّقاليد وبين النّجاح في قيادة الحزبيّة الجنبلاطيّة في فترة حرجة كانت فيها اليد الطّولى لخصوم الدّروز من الموارنة، في ظلّ الانتداب الفرنسيّ. أحدثت السّتّ نظيرة تحوّلًا في هذا السّياق انعكس في الحفاظ على علاقات ودّيّة مع فرنسا والتّعاون مع الانتداب الفرنسيّ، الأمر الّذي يفسّر منحها وسام تقدير من سُلطات الانتداب الفرنسيّ.

حظيت السّتّ نظيرة في حياتها، ولم تزل تحظى في مماتها، بتقدير أبناء جلدتها لكونها امرأة ذات كاريزما وشخصيّة قياديّة، نجحت في قيادة مجتمع ذكوريّ-أبويّ في فترة شهدت فيها مكانة الموحّدين الدّروز في لبنان تراجعًا واضحًا في المستوى السّياسيّ.

فارقت السّتّ نظيرة الحياة عام 1951 م. لتكون لربّما أبرز شخصيّة درزيّة قياديّة، ضُربت مثلًا في الجمع بين الحكمة السّياسيّة والمحافظة على الأعراف والقيم الاجتماعيّة، وقد حظيت بدعم أطياف المجتمع كلّها وتقديرها بدءًا من رجال الدّين وانتهاءً بالمجتمع النّسويّ.

* * *

للاستزادة والتّوسّع:

  1. تيموفييف، ايغور. كمال جنبلاط: الرّجل والأسطورة. ترجمة: خيري الضّامن. بيروت: دار النّهار، 2000.
  2. خليل، خليل أحمد. كمال جنبلاط: “ثورة الأمير الحديث”. د. م.: دار المطبوعات الشّرقيّة، 1984.
  3. الشّهّال، عدنان. الزّعيمة والقاضي: رسائل نظيرة جنبلاط والقاضي جميل الشّهّال. د. م.: رياض الرّيّس للكتب والنّشر، 1998.
  4. نويهض، ناديا الجردي. نساء من بلادي. بيروت: المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 1986.
  5. Hichi, Selim. La Communaute Druze: Son Origine Et Son Histoire. Beyrouth: 1973.
  6. Hichi, Selim. La Famille Des Djoumblatt du VIIe. siècle à nos jours. Beyrouth, 1986.
  7. Zisser, E. (2015). Yusri Hazran, “The Druze Community and the Lebanese State, between Confrontation and Reconciliation”. Bustan: the Middle East Book Review, 6 (1-2), Pp. 157-161.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה