كمال جنبلاط

مؤسّس الحزب التّقدّميّ-الاشتراكيّ وزعيم الحركة الوطنيّة-اللّبنانيّة خلال الحرب الأهليّة الثّانية في لبنان. وُلد كمال جنبلاط في كانون أوّل عام 1917 في بلدة المُختارة، معقل الزّعامة الجنبلاطيّة في لبنان، وترعرع في كنف والدته، السّتّ نظيرة جنبلاط، الّتي تولّت رعايته بعد اغتيال والده فؤاد بك جنبلاط، على خلفيّة اتّهامه بالتّعاون مع الانتداب الفرنسيّ. تولّت مربّية خاصّة، هي ماري غريب من الدّامور، رعاية جنبلاط الّذي حصّل تعليمه في مدارس تبشيريّة، كان أهمّها معهد عينطورة للآباء اللّعازاريّين، وذلك بناءً على نصيحة صديق العائلة المطران اوغسطين البستانيّ. بُعيد انهائه دراسته الثّانويّة سافر إلى فرنسا لإكمال دراسته الجامعيّة، حيث كان ينوي دراسة الطّبّ، إلّا أنّ المطران البستانيّ أقنعه بدراسة المحاماة نزولًا عند رغبة والدته. اضطرّ جنبلاط إلى مغادرة فرنسا عام 1939، بعد دراسته لمدّة قصيرة، بسبب اندلاع الحرب العالميّة الثّانية. عند عودته إلى لبنان باشر دراسة المحاماة في جامعة القدّيس يوسف، رغم ميوله الواضحة إلى الفلسفة واليوغا وما الى ذلك.

بعد إنهائه دراسته دخل كمال جنبلاط معترَك الحياة السّياسيّة من باب الحزبيّة الجنبلاطيّة؛ إذ ترشّح على لائحة الكتلة الوطنيّة بزعامة إميل إده الّذي عُرف عنه رفضه لفكرة لبنان الكبير ومطالبته بالعودة إلى نموذج لبنان الصّغير وتمسّكه بالتّحالف مع فرنسا ورفضه لفكرة التّعايش مع المسلمين. هذه الرّؤيا تقاطعت مع مواقف السّتّ نظيرة جنبلاط الّتي كانت تقود المعسكر الجنبلاطيّ آنذاك. عُرف عن السّتّ نظيرة تمسّكها بفكرة لبنان الصّغير الّذي يقوم على الشَّراكة بين الموحّدين الدّروز والموارنة ورفضها المطلق لفكرة التّعايش مع المسلمين. انطلاقًا من هذا الموقف رفضت السّتّ نظيرة مشاركة دروز لبنان في ثورة فلسطين الكبرى وفي حرب عام 1948. إلّا أنّ كمال جنبلاط الّذي درس المحاماة ودخل معترَك السّياسة نزولًا عند رغبة والدته، سرعان ما أدرك فساد السّياسة اللّبنانيّة واهتراء مشارب السّياسة التّقليديّة، وبدأ يفكّر مليًّا في مشروع سياسيّ جديد وثوريّ يقلب الموازين ويُعيد رسم الخريطة السّياسيّة برمّتها.

مع نهاية حقبة الأربعينيّات اختمرت لدى جنبلاط فكرة تأسيس حزب سياسيّ جديد، وبالفعل بادر، مع مجموعة من المثقّفين اللّبنانيّين، إلى إعلان تأسيس الحزب التّقدّميّ-الاشتراكيّ الّذي طالب بإلغاء النّظام الطّائفيّ وتأسيس نظام علمانيّ يقوم على مبدأ الانتخابات النّسبيّة وتطبيق العدالة الاشتراكيّة والفصل بين الدّين والسّياسة. لعب جنبلاط دورًا محوريًّا في النّضال ضدّ نظام الرّئيس بشارة الخوري، وأسهم في إسقاطه في الثّورة البيضاء عام 1952، من منطلق توظيف الفرصة لإصلاح حال السّياسة اللّبنانيّة، إلّا أنّ ظنّه سرعان ما خاب واصطدم مع نظام الرّئيس كميل شمعون الّذي تنصّل من تحالفه مع جنبلاط ولجأ الى خصومه من الدّروز وعلى رأسهم الأمير مجيد أرسلان والنّائب عادل الأعور. في هذه المرحلة كان جنبلاط يميل فكريًّا إلى الفكرة الفينيقيّة[1] ونظّر فيها وأبدى امتعاضًا واضحًا من الفكرة القوميّة العروبيّة. جاء اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان ليشكّل نقطة تحوّل محوريّة في فكر كمال جنبلاط وسلوكيّاته، سيّما وأنّ اندلاع الحرب جاء بعدما خسر مقعده في مجلس النّوّاب بفعل قانون الانتخابات الّذي غيّر تقسيم المناطق الانتخابيّة وسهّل إسقاط جنبلاط في الانتخابات.

لعب كمال جنبلاط دورًا رئيسًا في الحرب الأهليّة اللّبنانيّة الأولى الّتي اندلعت عام 1958، حين شهد جبل لبنان أشرس المعارك ضدّ نظام الرّئيس كميل شمعون. كان جنبلاط من دعاة الحسم العسكريّ من خلال السّيطرة عسكريًّا على بيروت وإجبار شمعون على التّخلّي عن الرّئاسة، إلّا أنّ آمال جنبلاط تبدّدت بفعل رغبة حلفائه من قادة بيروت من الزّعماء التّقليديّين في الوصول الى تسوية تُحسّن مواقعهم في ظلّ النّظام، في حين كان جنبلاط يسعى إلى تصفية النّظام الطّائفيّ.

شهد فكر كمال جنبلاط وسلوكيّاته تحوّلًا راديكياليًّا في أعقاب الحرب الأهليّة الأولى، وبدأت تظهر ملامح مرحلة جديدة انعكست في ثلاثة اتّجاهات؛ أوّلها كان النّزوع الواضح نحو القوميّة العربيّة والتّحالف مع النّظام النّاصريّ في مصر، أمّا الثّاني فكان التّوجّه نحو التّحالف مع الأحزاب اليساريّة والماركسيّة، وأمّا الثّالث فكان التّحالف مع الفصائل الفلسطينيّة في لبنان، خصوصًا منذ انطلاقة نشاطها المسلّح ضدّ إسرائيل بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967. نجح كمال جنبلاط، خلال سنوات السّتّين، بتتويج نفسه زعيمًا لليسار اللّبنانيّ، وبات يُطلق عليه ملك اليسار ومُنصّب الرّؤساء. في عام 1969 عُيّن جنبلاط وزيرًا للدّاخليّة، الأمر الّذي منحه صلاحيّات تنفيذيّة واسعة دلّت على تعاظم مكانته في السّاحة اللّبنانيّة، وكان لجنبلاط الدّور الحاسم في توحيد اليسار تحت زعامته وانهاء العهد الشّهابيّ، ذلك أنّ جنبلاط هو من رجّح كفّة الرّئيس سليمان فرنجيّة الّذي كان انتخابه إنذارًا بانتهاء عهد الشّهابيّة.

مع اندلاع الحرب الأهليّة اللّبنانيّة الثّانية طرح جنبلاط مشروعه الإصلاحيّ الّذي سُمّي “البرنامج المرحليّ للحركة الوطنيّة اللّبنانيّة، والّذي تضمّن خمسة مبادئ أساسيّة على النّحو الآتي:

  • إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة؛
  • إصلاح ديمقراطيّ للتّمثيل الشّعبيّ؛
  • إصلاح السُّلطات الثّلاث؛
  • إصلاح الإدارة الحكوميّة؛
  • إعادة تنظيم الجيش.

تمسّك جنبلاط بمشروعه رغم رفض الزّعامات التّقليديّة السّنّيّة وتحفُّظ نظام البعث في سورية. رأى جنبلاط في الحرب الأهليّة الثّانية فرصة ذهبيّة للإجهاز على النّظام الطّائفيّ وبناء الدّولة العلمانيّة، وصمّم على الحسم العسكريّ وتوجيه ضربة عسكريّة قاصمة لما كان يُسمّيه “المُعسكر الانعزاليّ”؛ أي: الكتائب اللّبنانيّة. اصطدم هذا الطّموح برغبة سورية في تنصيب نفسها الوسيط في الأزمة اللّبنانيّة، وجاء دخول الجيش السّوريّ إلى لبنان بمثابة الصّاعقة الّتي بدّدت حلم جنبلاط بالقضاء على النّظام الطّائفيّ وبناء الدّولة اللّبنانيّة العلمانيّة.

يبدو أنّ اغتيال كمال جنبلاط جاء على خلفيّة الصّدام مع نظام البعث السّوريّ الّذي رأى في جنبلاط عقبة كَداء في بسط السّيطرة السّوريّة على لبنان. اغتيل كمال جنبلاط يوم 16 آذار عام 1977 ليصبح هذا اليوم يومًا أسودَ في تاريخ لبنان، على وجه العموم، وفي تاريخ الدّروز، على وجه الخصوص؛ إذ فقد الدّروز زعيمًا تخطّى بفكره ونشاطه السّياسيّ حدود الطّائفة والوطن اللّبنانيّ. ينظر الكثيرون إلى كمال جنبلاط على أنّه أبرز الزّعماء الدّروز في القرن العشرين، نظرًا لفكره ودوره الأبرز في السّياسة اللّبنانيّة على مدى ثلاثة قرون، هذا الدّور الّذي كان أكبر بكثير من حجم الدّروز العدديّ والدّيمغرافيّ في لبنان. ولعلّ في إطلاق تسمية “المُعلّم” على كمال جنبلاط دلالةً على مكانته الّتي تبوّأها في حياته، كما في مماته.

في الصّعيد الشّخصيّ، تزوّج كمال جنبلاط السّتّ ميّ أرسلان، ابنة أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، ولعلّ هذا الزّواج كان محاولة من جانب والدته، السّتّ نظيرة، التّوفيق بين العائلتين القياديّتين في الجبل، إلّا أنّ هذا الزّواج لم يعمّر كثيرًا، بسبب نزعات جنبلاط التّصوّفيّة والنّباتيّة والتّأمّليّة ورحلاته المتكرّرة إلى الهند. رُزق كمال بوحيده وليد الّذي تولّى زعامة الحزب في أعقاب اغتيال والده. ترك كمال جنبلاط موروثًا كبيرًا؛ إذ وضع المئات من المقالات والعشرات من الكتب باللّغتين العربيّة والفرنسيّة. تمتدّ كتابات جنبلاط من السّياسة والفلسفة والاشتراكيّة إلى الدّين والشّعر والعلاج بعشب القمح، الأمر الّذي يعكس ثقافته الواسعة وفكره العميق والواسع. أبرز كتابات كمال جنبلاط هي: ربع قرن من النّضال، نحو اشتراكيّة أكثر إنسانيّة، من أجل لبنان، في الممارسة السّياسيّة، في مجرى السّياسة اللّبنانيّة، في ما يتعدّى الحرف، فرح، الدّيمقراطيّة الجديدة، أضواء على حقيقة القضيّة القوميّة الاجتماعيّة، ثورة في عالم الإنسان، أدب الحياة، العلاج بعشب القمح (ترجمة)، السّلام/ أناندا، حقيقة الثّورة اللّبنانيّة، أحاديث عن الحرّيّة، لبنان وحرب التّسوية.

[1] تقول الفكرة الفينيقيّة إنّ لبنان بلد عتيق أصله فينيقيّ، وإنّ اللّبنانيّون ليسوا عربًا، إنّما فينيقيّين؛ إذ وُجدوا منذ آلاف السّنين، وهُؤلاء هم أوّل من جاء بالأبجديّة وبالفكرة القوميّة (الأمّة).

* * *

للاستزادة والتّوسّع:

  1. تيموفييف، إيغور. كمال جنبلاط: الرّجل والأسطورة. بيروت: دار النّهار للنّشر، 2001.
  2. خليل، خليل أحمد. كمال جنبلاط ثورة الأمير الحديث. د. م.: دار المطبوعات الشّرقيّة، 1984.
  3. زهر الدّين، صالح. مسيرة الشّهيد كمال جنبلاط والحزب التّقدّميّ الاشتراكيّ بقيادة الرّئيس وليد جنبلاط. بيروت: المركز الثّقافيّ اللّبنانيّ، 2006.
  4. فرّاج، عفيف. كمال جنبلاط: المثاليّ الواقعيّ. المختارة: دار التّقدّميّة، ط. 3، 1977.
  5. الفقيه، فايز. مع كمال جنبلاط: حقبة من النّضال الوطنيّ، القوميّ والتّقدّميّ. بيروت: دار ابن خلدون، 1979.
  6. Al-Khazen, Farid. “Kamal Jumblatt; The Uncrowned Prince of the Left”, Middle Eastern Studies, Vol. 24, No.2 (April, 1988), pp.178-205.
  7. El-Khazen, Farid. The Breakdown of the State in Lebanon, 1967-1976. London: I. B. Tauris Publishers, 2000.
  8. Hichi, Selim. La Communaute Druze: Son Origine Et Son Histoire. Beyrouth: 1973.
  9. Hichi, Selim. La Famille Des Djoumblatt du VIIe. siècle à nos jours. Beyrouth, 1986.
  10. Yusri Hazran, The Druze Community and the Lebanese State: Between Confrontation and Reconciliation (Routledge Studies in Middle Eastern History), 2019

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה