الشّيخ بهجت غيث

الشّيخ المرحوم بهجت غيث؛ شخصيّة دينيّة واجتماعيّة بارزة في طائفة الموحّدين الدّروز، في لبنان. شغل منصب شيخ عقل الطّائفة بين عامَي 1991 و-2006 م.، فتميّز بحضوره الرّوحانيّ، ورؤيته الإصلاحيّة، ودوره المحوريّ في تعزيز التّماسك الاجتماعيّ والتّعليميّ والخيريّ داخل الطّائفة وحتّى المجتمع اللّبنانيّ الأوسع. اتّسمت مسيرته بالتّنوّع والتّحدّي؛ إذ جمع بين الخبرة العمليّة في مجالات متعدّدة والتّفرّغ، لاحقًا، للشّأن الدّينيّ والاجتماعيّ، ليترك بصمةً جليّةً في الحياة الطّائفة الرّوحانيّة والسّياسيّة.

وُلد الشّيخ بهجت غيث في 22 كانون ثانٍ عام 1939 م. في نيحا الشّوف، ونشأ في كنف عائلة معروفيّة أصيلة. تلقّى تعليمه الأوّليّ في مدرسة قريته، ثمّ واصل دراسته في مدرسة عمّاطور الرّسميّة، وحصل على الشّهادة الابتدائيّة عام 1953 م.، ثمّ الشّهادة المتوسّطة عام 1956 م.. كان شغوفًا بالمعرفة، إلّا أنّ الظّروف المعيشيّة دفعته إلى الالتحاق بالجيش اللّبنانيّ، في منصب إداريّ، ذلك أتاح له متابعة تحصيله العلميّ في مدرسة مسائيّة في بيروت. غير إنّ الأوضاع السّياسيّة المضطربة، سيّما أزمة لبنان عام 1958 م.، زادت من المصاعب الاقتصاديّة، فاضطرّ إلى الاستقالة وسافر الى ليبيريا (أفريقيا)، حيث عمل في التّجارة مع أخيه لمدّة خمس سنوات. تزوّج السّيّدة أميّة سعيد وهّاب وأنجبا أربعة أبناء: شادي، شادية، غادة، وطاهر.

بعد عودته إلى لبنان انخرط في الزّراعة واستصلاح الأراضي، وأنشأ رابطة “التّضامن الاجتماعيّ” الّتي عملت على رفع المستوى الخدماتيّ في بلدته، نيحا. لكنّ التّحدّيات الاقتصاديّة دفعته إلى الهجرة، مجدّدًا، وهذه المرّة نحو الخليج العربيّ، حيث أسّس شركة “مقاولات الجابر” الّتي حقّقت نجاحات باهرة في قطاع البناء والمشاريع الإنشائيّة. مكّنته هذه الإنجازات من تحقيق استقرار ماليّ، ليقرّر العودة إلى لبنان عام 1980 م.، متفرّغًا للعمل في الشّأن الدّينيّ والاجتماعيّ.

تولّيه منصب شيخ العقل

في أواخر عام 1991 م.، ومع تدهوُر صحّة شيخ عقل الطّائفة، الشّيخ محمّد أبي شقرا، كُلِّف الشّيخ بهجت غيث بمهمّة شيخ العقل بتكليف خطّيّ، واستمرّ في هذا المنصب حتّى عام 2006 م.، ليخلفه بعد ذلك الشّيخ نعيم حسن.

تميّزت قيادته لهذا المنصب بالحكمة والتّواضع والانفتاح، فقد بذل جهودًا كبيرة في تعزيز وحدة الطّائفة، وترسيخ قيم التّسامح والتّعاون، والسّعي إلى تحسين الظّروف المعيشيّة لأبناء الطّائفة من خلال المبادرات الاجتماعيّة والخيريّة. وكان يحظى باحترام واسع نظرًا إلى أسلوبه المتّزن في معالجة القضايا الحسّاسة داخل الطّائفة وخارجها.

الجدير ذِكره أنّ الشّيخ بهجت غيث كان قد مُنح، في عام 1984 م.، وسامَ “المعروف”، وهو أرفع وسام تمنحه مشيخة العقل، وذلك تقديرًا لجهوده البارزة في الأعمال الخيريّة وخدمة المجتمع، خاصّةً من خلال إطلاقه لمؤسّسة “رعاية اليتيم الدّرزيّ”. كما حاز على دكتوراه الإبداع في فقه التّوحيد، من جامعة أمّ اللّغات في باريس، عام 1995 م.، وهي شهادة فخريّة مُنحت له تقديرًا لإسهاماته الفكريّة والدّينيّة.

إسهاماته الاجتماعيّة والخيريّة

أولى الشّيخ بهجت غيث اهتمامًا كبيرًا للعمل الخيريّ والاجتماعيّ، وأسّس عددًا من المشاريع الّتي استهدفت تحسين حياة الأفراد والمجتمع، من بينها:

  • مؤسّسة غيث للتّنمية المجتمعيّة الّتي تقدّم الدّعم للأُسر المحتاجة في مجالات السّكن، المياه النّظيفة والرّعاية الصّحّيّة؛
  • مشروع ظلال الّذي يسعى إلى توفير مأوى آمن للعائلات الّتي تعيش في منازل غير مكتملة البنية؛
  • مشروع ارتواء الهادف إلى توفير المياه النّظيفة للمناطق المحرومة والنّائية؛
  • مشروع سند الّذي يُعنى برعاية الأيتام وتقديم الدّعم النّفسانيّ والمعنويّ لهم؛
  • المدرسة المهنيّة في بعقلين أنشأها الشّيخ بهجت غيث فكانت تشمل الاختصاصات كافّةً؛
  • مبادرات رمضان وأضاحي العيد الّتي تُعنى بتقديم الموادّ الغذائيّة للصّائمين وتوزيع لحوم الأضاحي على الأُسر المحتاجة.

مُوّلت هذه المشاريع كلّها عبر التّبرّعات، الزّكاة، الصّدقات والشّراكات مع مؤسّسات خيريّة.

دوره في السّياسة والدّين

إلى جانب مكانته الدّينيّة المعروفة، كان للشّيخ بهجت غيث تأثير سياسيّ واضح؛ إذ تعامل بحكمة مع الأزمات السّياسيّة اللّبنانيّة، وسعى إلى تحقيق مصلحة الطّائفة الدّرزيّة من دون الانحياز إلى تيّارات سياسيّة بعينها. ومع التّباينات السّياسيّة بينه والزّعيم الدّرزيّ وليد جنبلاط، حافظ الشّيخ على استقلاليّته وسعى إلى إعادة تنظيم المجلس المذهبيّ لطائفة الموحّدين الدّروز، فكانت هذه خطوة عزّزت من مكانة الطّائفة، في لبنان، في المستويَين السّياسيّ والاجتماعيّ.

وفي المجال الدّينيّ فقد بذل جهودًا كبيرة في نشر التّعليم الدّينيّ وتعزيز الهويّة التّوحيديّة بين أفراد الطّائفة، وأسّس معاهد تربويّة لرعاية الأيتام والمحتاجين وتعليمهم، فضلًا عن إسهامه في نشر الكتب التّوحيديّة.

مؤلّفاته

 لم يقتصر تأثير الشّيخ بهجت غيث على دوره الدّينيّ والاجتماعيّ، لكنّه ترك بصمته الفكريّة من خلال مؤلّفاته الّتي ركّزت على شرح العقيدة التّوحيديّة وقيمها وتعاليمها الرّوحانيّة. من أبرز هذه الأعمال:

  1. الطّريق إلى الحكمة: يعرض تعاليم الحكمة التّوحيديّة وأهمّيّتها في حياة الموحّدين؛
  2. الدّرر البهيّة في شرح العقيدة التّوحيديّة: يقدّم تحليلًا معمّقًا للعقيدة التّوحيديّة وأُسسها؛
  3. في معارج الرّوح ويُعّد من الأعمال الّتي تعكس فكره الرّوحانيّ والفلسفيّ.

كما ألّفت الباحثة فريال خوري موسى كتابًا بعُنوان الأصل والمدد: سيرة ومسيرة شيخ عقل طائفة الموحّدين الشّيخ بهجت غيث، الّذي يوثّق سيرته ومسيرته في قيادة الطّائفة وإسهاماته الاجتماعيّة والفكريّة.

علاوةً على ذلك، تناولت الصّحافة والمراكز البحثيّة فكر الشّيخ بهجت غيث، من خلال مقالات وحوارات معمّقة، عكست أبعاد رؤيته الدّينيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة. من أبرز هذه المقالات “أحباب الكلمة السّواء… سلامًا”، الّذي نُشر في مركز الإمام موسى الصّدر للأبحاث والدّراسات، وقد سلّط الضّوء على آرائه حول الحوار بين الأديان، وأهمّيّة التّعايش السّلميّ، ودور العقيدة في بناء مجتمعات قائمة على العدالة والاحترام المتبادَل. كما ناقش المقال موقفه من الحداثة والتّغيُّرات الفكريّة الّتي طرأت على المجتمع الدّرزيّ في العقود الأخيرة، وسعيه إلى التّوفيق بين أصالة الحكمة التّوحيديّة ومتطلّبات العصر الحديث.

إلى جانب ذلك، أُجريت معه عدّة مقابلات إعلاميّة مرئيّة، استعرض فيها رؤيته حول الإصلاح الدّينيّ والتّحدّيات الّتي واجهت الطّائفة الدّرزيّة في ظلّ التّحوّلات السّياسيّة والاجتماعيّة في لبنان والمنطقة. وقد وثّقت البعض من هذه الحوارات مواقفه من قضايا جوهريّة، مثل: دور رجال الدّين في تحقيق السِّلم الأهليّ، ومسؤوليّته تُجاه الفقراء والمحتاجين، ودعوته إلى إعادة إحياء القيم التّوحيديّة بروحٍ معاصرة.

وفاته وتكريمه

رحل الشّيخ بهجت غيث في 23 أيّار 2016 م. عن عمر ناهز الـ- 77 عامًا. وشُيّع جثمانه في مسقط رأسه، نيحا الشّوف، يوم 24 أيّار 2016 م، بحضور حشد كبير من أبناء الطّائفة والشّخصيّات الدّينيّة والسّياسيّة البارزة. أُقيمت الصّلاة على جثمانه في مسجد القرية قبل مواراته الثّرى، وقد ودّعه محبّوه بقلوبٍ تملؤها مشاعر التّقدير والوفاء لمسيرةٍ زاخرةٍ بالعطاء والإخلاص.

***

للاستزادة والتّوسُّع:

  1. كليب، سامي. “الشّيخ بهجت غيث: تمرُّد العقل”. السّفير، 24 أيّار 2016. رابط: https://www.lebanondebate.com/news/257685
  2. موسى، فريال خوري. الأصل والمدد: سيرة ومسيرة سماحة شيخ عقل طائفة الموحدون الشيخ بهجت غيث، د. م.: لوجوس ميديا، 2011.
  3. “رحيل الشّيخ بهجت غيث” – جريدة الرّأي.
  4. مقابلة مرئيّة مع سماحة الشّيخ بهجت غيث 2012 – جزء 3 | YouTube.
  5. “الشّيخ بهجت غيث في ذمّة الله” | Lebanon Gate.
  6. مقابلة مرئيّة مع الشّيخ المرحوم بهجت غيث: “تاريخ بني معروف الموحّدين” | Facebook.

 

 

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה