الشّيخ نعيم سعيد حسن؛ رجُل دين وقاضٍ، شغل منصب شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز في لبنان بين عامَي 2006 و-2021 م.. امتاز بحكمته واعتداله، ولعب دورًا هامًّا في توحيد الطّائفة وتعزيز الحوار بين مكوّناتها، إلى جانب حرصه على الانفتاح والتّواصل مع مختلف القوى السّياسية والدّينيّة في البلاد. زوجته هي السّيّدة نجيّة شمس الدّين، ولهما من الأبناء ثلاثة: مهيب، ميّادة، وريّان.
وُلِد الشّيخ نعيم حسن في 3 أيّار عام 1949 م.، في قرية بنيه التّابعة لقضاء عاليه، في كنف عائلة يزبكيّة ذات مكانة دينيّة واجتماعيّة بارزة. نشأ في بيئة تعتزّ بالتّقاليد الدّينيّة والقيم الاجتماعيّة التّوحيديّة، فقد كان والده، الشّيخ سعيد حسن، مقرّبًا من الزّعيم الدّرزيّ الأمير مجيد أرسلان، فأتاحت له هذه العلاقة الوثيقة فرصة الاطّلاع المبكر على شؤون الطّائفة ومسؤوليّاتها. وإلى جانب إرثه العائليّ، امتلك تكوينًا دينيًّا وقانونيًّا راسخًا؛ إذ كان جدّه، الشّيخ أبو سعيد حمّود حسن، من كبار المشايخ الّذين اعتمروا العمامة المكوّرة (المكولسة) تلبيةً لرغبة الهيئة الرّوحيّة في زمانه. وقد أكسبه هذا المزيج من التّربية الدّينيّة والخبرة القانونيّة قدرة على الموازنة بين البعدَين الرّوحانيّ والإداريّ، الموازنة الّتي أهّلته، لاحقًا، لتولّي مشيخة العقل وقيادة الطّائفة باعتدال.
تلقّى تعليمه الابتدائيّ في مدرسة بنيه الرّسميّة، ثمّ انتقل إلى ثانويّة بيصور الرّسميّة ليكمل تعليمه العالي في الجامعة اللّبنانيّة حيث حصل على شهادة في الحقوق، ما هيّأه لمسيرة مهنيّة في مجال القضاء، قبل أن يتفرّغ للمشيخة لاحقًا.
بدأ الشّيخ نعيم حسن مسيرته المهنيّة مدرّسًا في مدرسة التّنّوخيّة الوطنيّة، في عبيه، قبل أن ينتقل للعمل في وزارة العدل بصفته مساعدًا قضائيًّا. ومع شغور منصب قاضي المحكمة الدّرزيّة في عاليه، إثر مقتل القاضي الشّيخ مسعود الغريب، وهو شقيق شيخ العقل ناصر الدّين الغريب، خلال مذبحة كفرمتّى عام 1983 م.، عُيّن الشّيخ نعيم قاضيًا للمحكمة الدّرزيّة في عاليه، وذلك في 26 تشرين ثانٍ 1984 م.. وخلال فترة عمله القضائيّ، عُرف بنزاهته وأمانته، وأثبت قدرته على الفصل في النّزاعات بحكمة، ليكسب بذلك احترام مختلف فئات المجتمع الدّرزيّ. وقد شكّلت هذه الخبرة أساسًا متينًا لمكانته اللّاحقة في مشيخة العقل.
مشيخة العقل: التّزكية والمسؤوليّات
في 5 تشرين ثانٍ عام 2006 م.، اجتمع المجلس المذهبيّ لطائفة الموحّدين الدّروز، برئاسة الأستاذ فؤاد الرّيّس (أقدم الأعضاء سنًّا، آنذاك)، وبعد استكمال الإجراءات القانونيّة، انتُخب الشّيخ نعيم حسن بالتّزكية شيخ عقل للطّائفة ورئيسًا للمجلس المذهبيّ، وَفقًا لقانون تنظيم شؤون الطّائفة الدّرزيّة الّذي أقرّه مجلس النّوّاب اللّبنانيّ ونُشر في الجريدة الرّسميّة.
في خطابه الأوّل، أكّد الشّيخ حسن أنّ تولّيه المنصب لهو “شرف وفخر”، مشدّدًا على واجبه في خدمة المشايخ والمؤسّسات الدّينيّة، قائلًا: “شرف وفخر لي أن أتحمّل تبعات المنصب الرّوحيّ في طائفتنا الكريمة، وأرى من واجبي، ومن اليوم الأوّل، خدمة مشايخنا أهل الفضل والمكارم، ومن علَت بالحقّ كلمتهم وبذلوا في الله مهجتهم. ومن بحر فيض الأمير السّيّد وعلمه نتصرّف نحو المعابد والخلوات للإعلاء من شأن التّوحيد وآداب الدّين”. كما شدّد على أهمّيّة تعزيز الوَحدة الوطنيّة، والتّواصل مع أبناء الطّائفة في المهجر، ودعم المؤسّسات العلميّة والاقتصاديّة لضمان استمراريّة الطّائفة في مواجهة التّحدّيات، وأكّد أنّ “الطّائفة الدّرزيّة ستمدّ يدها إلى جميع المراجع الرّوحيّة لتعزيز الوَحدة الوطنيّة الّتي تضمن سلامة لبنان واستقلاله وكرامته”.
في لحظة انتخابه، أشاد الزّعيم وليد جنبلاط بذلك قائلًا:
“تمّ انتخاب شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز وفق الأصول القانونيّة وعلى قاعدة الشّورى، من أجل تعزيز عهد المؤسّسات، وتحسين العلاقة بين لبنان والمهجر، وتفعيل كافّة الأدوار الثّقافيّة والتّنمويّة والسّياسيّة لهذه الطّائفة الّتي تُشكّل جزءًا لا يتجزّأ من لبنان”.
وكان للشّيخ نعيم حسن مواقف ثابتة تدعم الوَحدة الوطنيّة والاستقلال اللّبنانيّ، بعيدًا عن أيّ تجاذبات سياسيّة، فقد سعى إلى حماية الطّائفة الدّرزيّة من الانقسامات، وتعزيز تماسكها الدّاخليّ. استمرّ في منصبه حتّى 10 أيلول 2021، حين انتُخِب الشّيخ سامي أبو المنى خلفًا له.
الدّور الدّينيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ
على مدار خمسة عشر عامًا من مشيخته، شكّل الشّيخ نعيم حسن عنصرًا فاعلًا في تعزيز مكانة الطّائفة الدّرزيّة؛ إذ نجح في المزاوجة بين البعد الرّوحانيّ والقانونيّ والاجتماعيّ في قيادته، جامعًا بين دوره الدّينيّ، بصفته مرجعيّة للطّائفة، ومسؤوليّته عن تنظيم شؤونها الدّاخليّة، وإسهامه في حماية استقرارها داخل النّسيج الوطنيّ اللّبنانيّ.
حرص على تعزيز وَحدة الطّائفة الدّاخليّة، فحافظ على توازن دقيق بين مختلف مكوّناتها، وسعى إلى رأب الصّدع بين الفرقاء السّياسيّين داخلها، ما جعله شخصيّة توافقيّة تحظى بقبول واسع. ولم يكن دوره مقتصرًا على الشّأن الدّاخليّ، لكنّه امتدّ إلى السّاحة الوطنيّة؛ إذ عمل على تعزيز الحوار بين الطّوائف اللّبنانيّة، فوثّق العلاقات بين الدّروز والمكوّنات الدّينيّة الأُخرى، وأسهم في ترسيخ ثقافة العيش المشترك والانفتاح الدّينيّ، انطلاقًا من إيمانه بأنّ استقرار لبنان يقوم على التّفاهم بين طوائفه.
تميّز بمواقفه المتّزنة الّتي نأت بالطّائفة عن التّجاذُبات السّياسيّة الضّيّقة، وحافظ على مسافة متوازنة بين مختلف القوى، ما جعله حلقة وصل بين الأطراف المتباينة، ورجُل توافق يُعتمد عليه في لحظات الأزمات. إلى جانب ذلك، أولى اهتمامًا خاصًّا لتمكين الشّباب ودعم المؤسّسات العلميّة والثّقافيّة والاقتصاديّة داخل الطّائفة، انطلاقًا من إيمانه بأنّ مستقبل الطّائفة مرهون بقدرة أجيالها الصّاعدة على تحقيق نهضة فكريّة واجتماعيّة. كما سعى إلى تعزيز التّواصل مع المغتربين الدّروز، إدراكًا لأهمّيّة دورهم في دعم الطّائفة في المستويَين الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
***
للاستزادة والتّوسُّع:
- زهر الدّين، د. صالح. مشيخة العقل والمجلس المذهبيّ. د. م.: مشيخة العقل والمجلس المذهبيّ لطائفة الموحّدين الدّروز. 2022.
- سعد، شريف شكيب. “شيخ عقل طائفة الموحّدين في لبنان”. العمامة 104 (2012). رابط.
- ملاعب، عامر. “نعيم حسن ثاني شيخ عقل للدّروز بتزكية جنبلاطيّة”. الأخبار (16 تشرين أوّل 2006). رابط.
- “انتخاب شيخ عقل طائفة الموحّدين الدّروز في الجمهوريّة اللّبنانيّة”. شؤون الأحوال الشّخصيّة لطائفة الموحّدين الدّروز في لبنان. مؤرشف من الأصل في 10 شباط 2010. رابط.