صالح بن يحيى المؤرّخ

صالح بن يحيى بن صالح بن الحُسين، من بني أمير الغرب، وابن حفيد ناصر الدّين الحُسين الكبير؛[1] من أمراء أُسرة آل بُحتر التّنّوخيّة الّتي سيطرت على منطقة الغرب (جبل لبنان) التّابعة لولاية بيروت، والّتي يرجع تاريخها في تلك البقعة من الأرض إلى أوائل القرن الميلاديّ الثّاني عشر. تفرّدت هذه الأُسرة عن بقيّة الأُسر الّتي بسطت سيطرتها التّقليديّة في أرض الشّام بإنجابها مؤرّخًا جمَع أخبارها من الوثائق الخطّيّة والرّوايات الشّفويّة ووضعها في كتاب صمَد في طريق وصوله إلينا دون غيره من المؤلّفات المحلّيّة المؤرِّخة لتلك الفترة الهامّة؛ كتابه المعروف بـِ-تاريخ بيروت.[2]

أمّا تاريخ ولادته وتاريخ وفاته فمجهولان، ويُرجَّح أنّ صالح بن يحيى وُلد في أواخر النّصف الثّاني من القرن الميلاديّ الرّابع عشر، ونشط في النّصف الأوّل من القرن الميلاديّ الخامس عشر فروى أخبار أسرته من أوائل عهدها في إمارة الغرب إلى أيّامه،[3] ثمّ توفّاه الله تعالى بعد عام 1436 م. (840 هـ.) وهو العام الّذي فيه توقّف عن التّأريخ والتّدوين،[4] ويعتقد المؤرّخون أنّه لم يعش بعده إلّا بضع سنوات فقط.

يُعدّ كتابه الشّهير تاريخ بيروت؛ أخبار السّلف من ذرّيّة بحتر بن عليّ أمير الغرب ببيروت[5] وثيقة تاريخيّة نفيسة لثلاثة قرون من حياة لبنان، وواحدًا من أهمّ ثلاثة مصادر تاريخيّة تناولت أخبار منطقة الأشواف، خاصّةً جبل بيروت، منذ القرن الهجريّ الخامس حتّى الفتح العثمانيّ لبلاد الشّام عام 1516 م. وهي: صالح بن يحيى، ابن سباط والسّجلّ الأرسلانيّ. كتبه بلغة أقرب إلى العامّيّة،[6] ويمتاز كتابه هذا بدقّة المعلومات الواردة فيه والأمانة التّاريخيّة والموضوعيّة إلى حدّ أشاد به كثير من المؤرّخين؛[7] إذ فيه تسقَّط صاحبه أدقّ التّفاصيل الّتي وصلته موثوقةً أو تلك الّتي عايشها هو بنفسه عن أخبار آل بُحتر، أجداده الّذين حموا بيروت وساحلها وجبلها، فجعلها تذكرةً لآل البيت لا يستفيد منها سواهم،[8] جاءت لتؤرّخ لبيروت وتكون سجلًّا لواقع الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة لمنطقة الغرب في عهد المماليك.[9]

أمّا الأمير شكيب أرسلان فيوازن تاريخ بيروت مع السّجلّ الأرسلانيّ ويعتقد أنّ رواية هذا الأخير هي الأوثق؛ وذلك بسبب التّسلسل الواضح والمستمرّ في السّجلّ الأرسلانيّ، عصرًا فعصرًا، مُصدَّقًا عند القضاة والعلماء الأعلام، في حين لا يستند صالح بن يحيى في تاريخه لا على إثباتات مصدَّقة في المحاكم الشّرعيّة ولا متسلسلة زمنيًّا، ولا مشهود عليها من العلماء والأعلام الّذين شهاداتهم موقّعة في السّجلّ الأرسلانيّ.[10] 

قال ابن سباط في المؤرّخ صالح بن يحيى، في مؤلّفه صدق الأخبار المعروف بـِ-تاريخ ابن سباط، إنّه “المشهور بالذّكا والعِلم والفراسة، صاحب العزم والحزم، جمع الكُتب في علم النّجم والكواكب والكرة والإسطرلاب، وكتب التّواريخ ودواوين الشِّعر، صاحب التّاريخ المشهور في نسب بني تنّوخ، أجاد في وأتقنه”.[11] كما لقّبه بصاحب الغزوات؛ إذ برز في ميدان السّيف كما في ميدان القلم، ويذكر خير الدّين الزّركليّ في الأعلام، إنّ صالحًا بن يحيى كان، على ما يبدو، قائدًا بحريًّا، فقد ذكر؛ أي صالح، في كتابه أنّه كان مقدَّمًا على سفينة ذهبت مع سفن أُخرى مشحونةً بالرّجال لغزو جزيرة قبرص، عام 1425 م. (828 هـ.) على يد المماليك. ويرد في موسوعة التّوحيد الدّرزيّة في ترجمته أنّه كان فارسًا شجاعًا ومحاربًا جَسورًا اشترك في معارك كثيرة، وقاتل في غزو جزيرة قبرص، وبعد مرور عام شنّ غارة أُخرى مماثلة وسقطت قبرص تحت حُكم المماليك في مصر. وكان ذا ثقافة واسعة، مغرمًا بالعلوم وكتب التّاريخ ودواوين الشّعر وكُتب علم النّجوم والفلك.[12]

_______________________________________________

[1] حافظ أبو مصلح؛ فارس حليم ملاعب؛ أنيس يحيى، التّنّوخيّون تاريخ وحضارة (بيروت: المركز العربيّ للأبحاث والتّوثيق، 1999)، ص. 195.

[2] صالح ابن يحيى، تاريخ بيروت؛ أخبار السّلف من ذرّيّة بحتر بن عليّ أمير الغرب ببيروت. تحقيق: فرنسيس هورس اليسوعيّ؛ كمال سليمان الصّليبيّ وآخرون (د. م.: دار المشرق، 2015)، ص. 3.

[3] ابن يحيى، تاريخ بيروت؛ المقدّمة، ص. 4.

[4] أبو مصلح وآخرون، التّنّوخيّون تاريخ وحضارة، ص. 208؛ حسن أمين البعيني، التّنّوخيّون والمناذرة اللّخميّون والمعنيّون (بقعاتا الشّوف: دار معن، 2013)، ص. 145.

[5] نشره الأب لويس شيخو في مجلّة المشرق في عامَي 1898-1899 م.، ثمّ نشره في كتاب مستقلّ صدر عن المطبعة الكاثوليكيّة في بيروت، عام 1902 م.، ثمّ طبعة ثانية مصحَّحة عام 1927 م.، ولاحقًا نشره مجدّدًا فرنسيس هورس اليسوعيّ وكمال سليمان الصّليبيّ باشتراك أربعة أساتذة آخرين، وصدر عن دار المشرق، بيروت 1969 (راجِع: تاريخ ابن سباط، ج. 2، ص. 837).

[6] خير الدّين الزّركليّ، الأعلام (ط. 15؛ بيروت: دار العلم للملايين، 2002)، ج. 3، ص. 198.

[7] مفيد عابد، التّنّوخيّون في لبنان؛ مواقفهم السّياسيّة، تحالفاتهم العسكريّة، دورهم الدّينيّ والحضاريّ (كفر نبرخ: مطابع دويك، 2001)، ص. 313.

[8] أبو مصلح وآخرون، التّنّوخيّون تاريخ وحضارة، ص. 201.

[9] عابد، التّنّوخيّون في لبنان، ص. 313.

[10] شكيب أرسلان، روض الشّقيق في الجزل الرّقيق (دمشق: مطبعة ابن زيدون، 1935)، ص. 258-259.

[11] أحمد ابن سباط. صدق الأخبار؛ تاريخ ابن سباط. تحقيق: عمر عبد السّلام تدمريّ (طرابلس: جروس برس، 1993)، ج. 2، ص. 836-837؛ الزّركليّ. الأعلام. ج. 3، ص. 198.

[12] سميح ناطور، “صالح بن يحيى التّنّوخيّ”، موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير)، ج. 3 (2011)، ص. 136.

* * *

للتّوسُّع والاستزادة:

  1. أرسلان، شكيب. روض الشّقيق في الجزل الرّقيق. دمشق: مطبعة ابن زيدون، 1935.
  2. البعيني، حسن أمين. التّنّوخيّون والمناذرة اللّخميّون والمعنيّون؛ الفصول الغامضة من تاريخهم والإشكاليّات. بقعاتا الشّوف: دار معن، 2013.
  3. حمزة، نديم نايف. التّنّوخيّون؛ أجداد الموحّدين (الدّروز) ودورهم في جبل لبنان. د. م.: دار النّهار للنّشر، 1984.
  4. الدّبيسي، يوسف سليم. أهل التّوحيد “الدّروز”. بيروت: المركز الثّقافيّ اللّبنانيّ، ج. 6، 1992، ص. 21.
  5. الزّركليّ، خير الدّين. الأعلام. بيروت: دار العلم للملايين، مج. 3، ط. 15، 2002.
  6. ابن سباط. صدق الأخبار؛ تاريخ ابن سباط. تحقيق: عمر عبد السّلام تدمريّ، طرابلس: جروس برس، ج. 2، 1993.
  7. الصّليبيّ، كمال. منطلق تاريخ لبنان. ط. 2؛ بيروت: د. ن.، 1992.
  8. عابد، مفيد. التّنّوخيّون في لبنان؛ مواقفهم السّياسيّة، تحالفاتهم العسكريّة، دورهم الدّينيّ والحضاريّ. كفر نبرخ: مطابع دويك، 2001.
  9. أبو مصلح، حافظ؛ ملاعب، فارس حليم؛ يحيى، أنيس. التّنّوخيّون تاريخ وحضارة. بيروت: المركز العربيّ للأبحاث والتّوثيق، 1999.
  10. ناطور، سميح. “صالح بن يحيى”. موسوعة التّوحيد الدّرزيّة. سميح ناطور (تحرير)، ج. 3 (2011).
  11. ابن يحيى، صالح. تاريخ بيروت؛ أخبار السّلف من ذرّيّة بحتر بن عليّ أمير الغرب ببيروت. تحقيق: فرنسيس هورس اليسوعيّ؛ كمال سليمان الصّليبيّ وآخرون. د. م.: دار المشرق، 2015.

מבט על

הדרוזים בישראל

ההתיישבות הדרוזית בישראל נחשבת לשלישית בגודלה, מבחינת מספר התושבים, בעולם כולו. הדרוזים בישראל (בני דת הייחוד) מהווים עדה דתית מגובשת, המונה כ- 147 אלף בני אדם, שפתם הינה ערבית ותרבותם ערבית-ייחודית (מונותאיסטית). הדת הדרוזית מוכרת באופן רשמי, על ידי מדינת ישראל, מאז שנת 1957 כישות אחת בעלת בתי משפט והנהגה רוחנית משלה. הדרוזים בישראל חיים כיום בתוך עשרים ושניים כפרים הנפרשים בגליל, בכרמל וברמת הגולן. שני היישובים הדרוזים הגדולים ביותר מבחינת מספר תושבים הם ירכא (16.9 אלף תושבים) ודלית אל-כרמל (17.1 אלף תושבים).

0 K

דרוזים בישראל

0 +

תושבים בדאלית אלכרמל, היישוב הכי גדול בישראל

0

סטודנטים דרוזים בשנת הלימודים 2019/2020 במוסדות להשכלה גבוהה